تغادر معظم قوارب الهجرة غير النظامية نحو سواحل جزر لامبيدوزا وصقلية الإيطاليتين من الغرب الليبي على طول سواحل طرابلس، في ظاهرة قديمة يبدو أنها تتفاقم شيئا فشيئا.
وقال موقع “إنسايد أوفر” الإيطالي إن بداية هذه الظاهرة تعود إلى عهد القذافي قبل أن تستفحل بشكل كبير بعد سقوط نظامه عام 2011.
وينقل عن الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل المعروفة اختصارا “فرونتكس” قولها إن هناك الآن مدينة واحدة على وجه الخصوص تولت دور “مركز” رئيسي لأنشطة المتاجرين بالبشر.
وهي مدينة زوارة الواقعة في منطقة إستراتيجية بالقرب من الحدود التونسية والمطلة على مياه البحر التي تفصل ليبيا عن لامبيدوزا.
تقرير فرونتكس
أشار الموقع الإيطالي إلى أن تقرير الوكالة الأوروبية فرونتكس الذي ذكرت فيه صراحة زوارة كمدينة رئيسية في نشاط الهجرة غير النظامية هو ذاته الذي كشفت عنه وكالة الأنباء الإيطالية “ادنكرونوس” في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
وبحسب الموقع، أثار نشر الوثيقة، التي ظلت سرية في الأشهر السابقة، ضجة لأنها تتحدث صراحة عن “عامل الجذب” المحتمل الذي تمارسه سفن المنظمات غير الحكومية.
بعبارة أخرى، الدور “الجذاب” المحتمل الذي قد يلعبه وجود هذه السفن في التأثير على المهاجرين الذين ينتظرون مغادرة الساحل الليبي، وفق شرح إنسايد أوفر.
ونوه الموقع إلى وجود نقطة أخرى مهمة إلى حد ما في الوثيقة، تتعلق بخريطة الاتجار بالبشر في ليبيا وعلى وجه الخصوص أنشطة المتاجرين والمهربين العاملين على السواحل الغربية الليبية. ونشر معطيات تتعلق بالفترة من الأول من يناير/كانون الثاني 2021 إلى 18 مايو/أيار من العام نفسه، أي أنها تعود إلى عام سابق.
يشرح الموقع أنه “بالنظر إلى ديناميكيات الهجرة في ليبيا، فمن المحتمل أن ما جرى وصفه لا يزال يعد حديثا للغاية“. وجاء في التقرير أن المهاجرين القادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يعدون ليبيا آخر نقطة تفصلهم أمام الوصول إلى الاتحاد الأوروبي. وبحسب ما أفادت به العملية البحرية الأوروبية “ثيميس“، يحتاج العديد من هؤلاء المهاجرين فقط ما بين ستة وسبعة أشهر للوصول إلى إيطاليا“.
وعملية ثيميس أطلقتها فرونتكس عام 2018 في البحر الأبيض المتوسط “لمكافحة تهديد الإرهابيين الذين يحاولون الوصول إلى القارة الأوروبية من شمال إفريقيا فضلا عن إنقاذ المهاجرين في البحر“.
وبينت وكالة الحدود الأوروبية في تقريرها أن مدينة زوارة أصبحت نقطة للإتجار بالبشر والمكان الرئيسي لمواقع المغادرة الأخيرة نحو الساحل الأوروبي وفي منطقة البحر الأبيض المتوسط. وذكرت أن حوالي 40 بالمئة من جميع المهاجرين المبلغ عنهم في وسط البحر الأبيض المتوسط غادروا من سواحل المدينة الليبية.
كما تشير المعلومات التي جرى جمعها من خلال أنشطة استخلاص المعلومات بشكل متزايد إلى التورط المباشر لمليشيات السلطات المحلية في نشاط التهريب في زوارة. وفي أحدث بياناتها المنشورة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، أعلنت وزارة الداخلية الإيطالية أن 79.647 مهاجرا وصلوا إلى إيطاليا منذ بداية العام وحتى 26 أكتوبر الماضي خاصة من تونس ومصر وليبيا. وذلك خلال 2044 عملية إنزال، بالشواطئ الإيطالية، مما يشكل زيادة تجاوزت الــ 50 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من العام 2021.
نقطة رئيسة
وصف موقع “إنسايد أوفر” الإيطالي المعلومات الواردة في تقرير فرونتكس بالقيّمة للغاية. ويشرح بالقول “حتى يومنا هذا، لطالما جرى الحديث عن غرب ليبيا بشكل عام كمركز أساسي للمنظمات الإجرامية الضالعة في تهريب المهاجرين لكن الآن يبدو الوصف أكثر تفصيلاً“.
وأشار إلى أن الدراسات الاستقصائية والمقابلات التي أجريت على مر السنين مع المهاجرين، سمحت بمعرفة أسماء العديد من المدن الواقعة في إقليم طرابلس، صبراتة والزاوية وزوارة غرب العاصمة والقره بوللي والخمس شرقا. ولفت إلى أن “زوارة الواقعة عند مفترق طرق حاسم، وهي آخر مدينة ليبية كبرى قبل الدخول إلى تونس، تعد أهم المدن في الإقليم التي تشهد نشاطا مروعا في الاتجار بالبشر“.
وقال إن “المهربين بإمكانهم اعتراض المهاجرين الفارين من الأراضي التونسية ويمكنهم بطريقة ما التعاون مع المنظمات الموجودة عبر الحدود“. كما أن القوارب التي تبحر من سواحل زوارة تقطع مسافات أقل للوصول إلى المياه المالطية والإيطالية مقارنة بتلك التي تنطلق من سواحل شرق طرابلس. ويضيف الموقع أن المدينة تتأثر بوجود بعض أهم المنظمات الإجرامية النشطة في المدن الأخرى الواقعة بين تونس وطرابلس.
وأشار الموقع الإيطالي إلى إمكانية استغلال الحكومات المعنية للمعلومات التي قدمتها فرونتكس بشأن تدفق الهجرة غير النظامية من ليبيا وبشكل أساسي الحكومة الإيطالية، في الحوار مع طرابلس. ويشرح بأن بلاده يمكن أن تقترح على الجانب الليبي “بفضل علمه بالنقاط التي تنطلق منها معظم عمليات المغادرة إلى سواحلنا، تركيز المراقبة وعمليات مكافحة الظاهرة في زوارة“.
علاوة على ذلك، يضيف الموقع، “وقعت إيطاليا مذكرة تفاهم مع ليبيا تنص على دفع ملايين اليورو مقابل التعاون لمنع عمليات الإنزال، عندها سيكون لروما رأي في كيفية إنفاق الليبيين لتلك التمويلات“. وألمح كذلك إلى أنه “بالنظر إلى هشاشة مؤسسات طرابلس، يمكن نقل أنشطة الرقابة التي قد تنفذها إيطاليا أو أوروبا إلى زوارة في حال جرى إعادة إطلاق مهمة أوروبية تهدف إلى مكافحة المهربين وفق ما اقترحته رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني“
__________