سعد العشة

إنها السنة الأولى بعد العقد الأول من انتفاضة 17 فبراير في ليبيا، الحاصلة في السنة الأولى بعد العقد الأول من الألفية الجديدة.

ألفيةٌ واكبنا فيها بعضاً من الواردات الإلكترونية التي انبثّت في أغلب مناطق العالم، أعني التعامل الإلكتروني في أجهزة الدولة، من صيرفة إلكترونية إلى إصدار جواز السفر إلى المعاملات البيروقراطية في الوزارات وغيرها من مؤسسات الدولة.

وإذا قمنا ببحثٍ خاطف في غوغل عن عبارة المنظومة عاطلة، نجد وافراً من العبث والتهكّم على هذا العبث. هي جملة يسمعها الليبي مباشرةً في هذه المؤسسات حين يصطدم طلبه المشروع بخلل في المنظومةالإلكترونية التي تيسّر هذا الطلب.

ربما يسمع عنها من دون أن يفقه معناها، وربما لا يفقه الموظفون أنفسهم معنى هذا العطل، ففي النهاية، ما نفع الفقه في حضرة الأعطال؟

استجلاب ذكرى الانتفاضة والألفية الجديدة نابعٌ من محاولة تحسّس السيرورة التاريخية لهذا العطب، وإن كان التاريخ قصيراً نسبياً.

لسنا معنيين هنا بربط السياق العالمي بالليبي، والعكس، ولا بالتحقيق التقني في أصل هذا العطب. وإنما الغاية تفكيك الأسطورة القائلة بأن العهود السابقة لدول الربيع العربيكانت على الأقل أرحم“.

فبجانب السببية القميئة في الاختيار بين شرّيْن، يسعنا على الأقل أن نقول إن الوضع هو ذاته في الخراب، فما كان مستتراً أضحى جلياً. نفضّل شرّاً جليّاً على المستتر إذاً.

صحيح أن نسبة الأمية انخفضت، لكن هذا الانخفاض لم يكمن في تطوير المؤسسة التعليمية بل في تفاهتها وسهولة تجاوزها

زمن المصارف والجوازات الجميل

تظل المصارف ومصالح الجوازات أمثلةً شائعةً على عطل هذه المنظومات. صحيحٌ أن السيولة توفرت في المصارف في العهد السابق (وهو ليس إنجازاً ثورياً)، لكن متوسط الراتب كان معاشاًبالفعل، يقتات منه المواطن من دون التفكير خارج دائرة السلعة. يقيناً، هذا هو الحد الأدنى من حقوق الإنسان.

كان إصدار الجوازات سهلاً أيضاً، ويا لها من عبقرية بيروقراطية. للتذكير فقط، مر الجواز الليبي بأفضل حالاته حين بلغ الدينار مستويات عاليةًفي مقابل الدولار، فسافر عدد لا بأس به من أبناء كي لا نقول بناتالطبقة الوسطى إلى أوروبا الشرقية وتركيا وبلدان العالم العربي، وفي أسوأ حالاته، كانت ليبيا دولةً مصنفةً كدولة راعية للإرهاب تارةً، وعضواً في محور الشرالخاص بجورج بوش الابن.

ولكيلا أُجَرّ إلى سرد سيرة الجواز الأخضر الساحرة (جواز الجماهيرية)، تجدر الإشارة فقط إلى الأسطورة آنفة الذكرة، وهي أن المواطن البسيطكان يعيش في رفاهية وأن الجواز كان علامةً من علامات هيبة الدولة“.

هيبة الدولة

من حجج أهل الحنين إلى الماضي تأريخهم لـهيبة الدولةالليبيةلنكن كرماء، ونأخذ هذه العبارة الشوفينية، الخاوية، على علاتها؛ لنقل إن هيبة الدولةشيء مستحسن. لكن ما هي هيبة الدولة، على أي حال؟

أهي قوة التعليم وتطوره؟ طبعاً لا، وإلا لترحَّم أهل الحنين على كوادر علمية غابت أو أشاروا إلى التدني المستمر في مستويات المدارس والجامعات. كان لكل دكتاتور، تقريباً، في عصر ما بعد الكولونيالية، حصته من النهوض بالتعليم في القرى والمدن (وإن كان ذلك على حساب حقوق الإنسان. فما نفع التعليم أصلاً إذا قُمِعَ؟)، لكن التعليم المجاني في الجماهيرية عُنيَ بالأرقام وليس بالأفعال.

***

سعد العشة ـ سينمائي ومترجم ليبي

_____________

مقالات مشابهة

6 CommentsLeave a comment

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *