عبدالله الكبير
الأخبار السياسية تبعث على الاحباط واليأس، فالإنسداد متواصل، وليس ثمة ما يشير إلى انفراجة قريبة، ورغم ذلك فثمة من لا ينتظر نهاية صراع الأطراف السياسية ليعمل ويبني ويؤسس.
فمسيرة الحياة تمضي للأمام، والوقت لا ينتظر حتي ينتهي السياسيون من صراعاتهم العبثية، والبلاد بحاجة إلى الابتكار والمبادرة والكثير من العمل الذي لا يشترط حل الأزمة السياسية حتى يتسنى إنجازه.
فرغم كم الهائل من الأخبار المحبطة، بزغ خبر سار بدد بعض الظلام، وأحيا الأمل، مؤكدا أن زمام المبادرة متاح لمن يؤمن بالعمل من أجل التخفيف الناس بالتوازي مع تحقيق المنفعة الذاتية.
الخبر هو تأسيس شركة للنقل الجماعي في مدينة زليتن، تنقل الركاب داخل المدينة وضواحيها في حافلات حديثة وأنيقة، مع إعلان حقيقي لا يحمل طابعا دعائيا ” رجعنا للدينار قيمته.. بدينار واحد تصل إلى أي مكان في زليتن“.
قد يرى البعض في هذا الاحتفاء مبالغة لأن النقل العام موجود في أغلب المدن الليبية خاصة المكتظة بالسكان، ففي طرابلس ومدن أخرى لم يتوقف النقل العام عن العمل، وهذا صحيح.
لكنه انحدر من الازدهار والتنظيم في الستينات والسبعينات، إلى التدهور والفوضى في العقود اللاحقة، بعد تخلي الدولة عنه معتمدا في استمراره علي المشروع الفردي.
بينما تظهر شركة زليتن بحافلات موحدة اللون والشعار، وبهذا الحضور القوي ستفرض على البلدية وشرطة المرور، تخطيط وتنظيم شوارع المدينة وفقا لحركة النقل العام، التي ستحتاج إلى مواقف محددة ومسار خاص في بعض الطرقات، وتنبيه أصحاب السيارات الخاصة ليأخذوا في اعتبارهم تعدد المحطات حالات الوقوف للحافلات. ومن ثم فحركة السير سيعاد ترتيبها بالكامل لتصبح أكثر انتظاما وسلاسة.
ليس في الإشادة بهذا الحدث أي مبالغة إذا عددنا فوائد المشروع وتأثيره الاقتصادي والبيئي والنفسي والجمالي. فتوفر الحافلة سيقلل من الاعتماد على السيارة الخاصة.
وهذا سيوفر على المواطن الوقود والصيانة، ويقلل من حوادث السير، وبتراجع عدد السيارات المتحركة على الشوارع سيقل انبعاث غازات العوادم، ومع قلة زحام السيارات على الطريق، تتضاعف المساحات المتاحة لصف السيارات على جانبي الطريق وفي المحطات، ويخف الضغط النفسي على السائقين.
أبواب التطوير للمشروع مفتوحة على مصراعيها، فالطلبة والموظفون سوف يستغنون عن السيارة الخاصة في مشوارهم اليومي، والاستعمال اليومي للحافلات سيدفع الشركة إلى اعتماد التذاكر الأسبوعية والشهرية المخفضة السعر.
وبذلك تكون شركة زليتن للنقل العام بالفعل قد ساعدت في استعادة الدينار الليبي لقيمته، إذ وفرت خدمة مهمة بقيمة دينار واحد فقط، ومرشحة لأن تنخفض أكثر ببعض الاجراءات التنظيمية، وستتوفر فرص عمل للسائقين والميكانيكيين، وكافة مهن السير والحركة.
ثمة فائدة أخرى بالغة الأهمية، وهي اعتياد المواطن على تنظيم وقته، فالمواعيد المحددة لوصول وانطلاق الحافلات من محطاتها ستشجع على ضبط الوقت وفقا لهذه المواعيد.
وبالتالي سيتوقف المواطن عن العشوائية في الحركة والهدر للوقت، لذلك فشركة النقل الجماعي للركاب بزليتن لم ترجع فقط للدينار قيمته بل أعادت القيمة للوقت أيضا.
ليس غريبا على أهل العلم والعمل والتجارة بزليتن الريادة في الإبداع والتطوير، وإعادة الروح للنقل العام المنضبط والمنظم، وننتظر من كل مدن بلادنا أن تؤسس شركاتها للنقل العام المنظم، الذي سيعيد تنظيم الحركة داخل المدن ويخفف من ازدحامها ويضفي مظهرا جميلا على شوارعها.
__________