السنوسي بسيكري
صوَّت المجلس الأعلى للدولة في ليبيا على قرار يمنع حاملي الجنسيات الأجنبية إلى جانب الجنسية الليبية والعسكريين من الترشح للانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة.
ويعكس القرار موقفا ثابتا لدى شريحة واسعة من أعضاء المجلس الأعلى للدولة من هذه المسائل التي كانت محل جدل ونزاع كبير بين الأعلى للدولة ومجلس النواب، حتى إن مفاوضات القاهرة بين وفدي المجلسين ثم لقاء جنيف الذي جمع رئيسي الجسمين؛ فشلت وكان السبب هو التجاذب حول هاتين المسألتين.
ابتداء فإن الموقف من مشاركة حملة الجنسيات الأجنبية، الغربية تحديدا، كان هو الرفض منذ أن دب الخلاف بين شركاء الثورة الليبية وذلك بعد نجاحها في إسقاط النظام السابق، وصار الشك في مزدوجي الجنسية هو الأصل وتردد في أوساط الليبيين لفظ “الدبل شفرة” لوصف هذه الشريحة.
إلا إن الاتجاه تغير وبالتالي تغير الموقف منهم، خاصة في المنطقة الشرقية، وذلك بعد أن آل الأمر إلى خليفة حفتر الذي صار منذ منتصف العقد الماضي الحاكم الفعلي، وهو حامل للجنسية الأمريكية بجانب جنسيته الليبية.
وسواء كان هذا التغيير خوفا أو طمعا، فقد صار مرتكز موقف الجبهة السياسية المفاوضة تمكين حفتر في أي تسوية من منصب ريادي في المؤسسة العسكرية، ثم فسح المجال أمامه للترشح للانتخابات الرئاسية.
كان من بين أهم أسباب فشل اتفاق الصخيرات وتعثر جهود ترميمه منذ العام 2016م هو إصرار مجلس النواب، أو المجموعة المسيطرة على سياساته ومواقفه، على تأمين مستقبل حفتر السياسي وجعله على رأس الجيش، وكان موقف الجبهة المقابلة رفضه، وتأكد الموقف الحاد من إشراك حفتر في أي توافق بعد عدوانه على العاصمة العام 2019م.
وبرغم النتائج الخطيرة لمغامرة حفتر ونتائجها الكارثية، إلا إن موقف الفاعلين في مجلس النواب لم يتغير وظلوا مستميتين على موقفهم من تهيئة الظروف لتتويجه رئيسا عبر التسوية السياسية، بعد أن فشلوا في تحقيق ذلك عبر المسار العسكري.
قرار الأعلى للدولة يُنظر إليه من زاويتين تمثلان وجهتي نظر مختلفتين، الأولى أنه فاقد للقيمة وأنه مجرد دعاية سياسية لرئيس المجلس الأعلى للدولة الذي تراجعت شعبيته ضمن المنتظم السياسي والاجتماعي والعسكري في الغرب الليبي، فيما ترى فئة أخرى أنه تأسيس سياسي وقانوني لأرضية ثابتة لأي تفاوض قادم مع مجلس النواب، إذ سيتعذر على وفد الأعلى للدولة أن يقبل بشروط نظرائه في البرلمان بخصوص شروط الترشح للانتخابات بعد أن تحدد موقف الأعلى للدولة منها عبر تصويت حر.
بالمقابل، فإن سوابق عدة أثبتت أن خيارات المجلس الأعلى للدولة غير ذات أهمية وتسقط أمام إصرار مجلس النواب على رفضها، بل إن رئيس المجلس الأعلى للدولة والوفد المفاوض تهاونوا أمام ضغوط نظيرهم السياسي وتخلوا عن مواقفهم حيال عدد من المسائل الجدلية، ومن ذلك الموقف من قوانين الانتخابات 1 و2 والتعديل الدستوري الثاني عشر.
فبرغم قرار المجلس الأعلى القاضي برفضه، إلا أن وفده فاوض وفد مجلس النواب في القاهرة وفقا للتعديل المذكور.
من الناحية القانونية، ووفقا للاتفاق السياسي، فإن الأعلى للدولة شريك أصيل في العملية السياسية ويقاسم مجلس النواب الصلاحية والمسؤولية في التأسيس للمرحلة الدائمة وكل ما يتعلق بالمرحلة الانتقالية، بما في ذلك التعديلات الدستورية وقوانين الانتخابات والمناصب السيادية.
ولكن الفئة المهيمنة على مجلس النواب تنطلق من الاعتقاد بأن دور الأعلى للدولة استشاري ولا يرقى إلى مستوى المشاركة في القوانين والقرارات، بما في ذلك المتعلقة منها بالأساس الدستوري والقانوني للانتخابات أو القرارات المعنية بإقالة وتعيين كبار موظفي الدولة.
وإذا أضفت العامل الأيديولوجي، أي الاعتقاد بأن الأعلى للدولة هو الواجهة السياسية للإسلام السياسي وحتى المجموعات المتشددة، والنزوع الجهوي الذي يصور الأعلى للدولة واجهة الغرب المدافع عن المركزية والمهيمن على القرار السياسي والمالي في مواجهة الشرق المهمش والمحروم، فإن الاختلال أكبر من أن يحتويه قرار أو يعالجه إجراءات وقاية وتأمين مكاسب.
____________