زايد هدية
يخشى مراقبون من تحول البلاد إلى قطعة شطرنج على رقعة اللاعبين الدوليين الكبار.
دخلت سفينة “أتش أم أس ألبيون” إلى الخدمة في عام 2001 وجرى تحديثها عام 2015، وتعد واحدة من أبرز القطع البحرية الداعمة لعمليات “الناتو” (السفارة البريطانية في ليبيا)
ترافق رسو السفينة البريطانية الحربية “ألبيون” في قاعدة أبوستة البحرية بالعاصمة الليبية طرابلس عاصفة من الجدل في البلاد، أججها أكثر استقبال شخصيات سياسية ليبية كبيرة لها، مع “غمز ولمز” في شأن الرسائل التي تحملها تلك الزيارة في توقيتها، الذي يتزامن مع تصاعد الأزمة الدبلوماسية بين لندن وموسكو، التي تملك وجوداً عسكرياً ومطامع استراتيجية في ليبيا لا تخفى على أحد.
هذه التلميحات التي شككت في غرض زيارة فرقاطة حربية بريطانية، تعد من بين أبرز القطع البحرية الداعمة لعمليات حلف “الناتو“، وحملت على متنها كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط، الفريق جوي مارتن سامبسون، جعلت بعض المراقبين يتحدث عن دخول ليبيا رسمياً إلى معترك الصراع الغربي – الروسي، لأسباب تتعلق بالموقع الجغرافي وأخرى ترتبط بمصادر الطاقة وخصوصاً الغاز.
معلومات السفينة الزائرة
وبحسب بعض المعلومات المتاحة على الإنترنت عن سفينة “أتش أم أس ألبيون” (HMS Albion) التابعة للبحرية البريطانية، فهي دخلت إلى الخدمة في عام 2001 وجرى تحديثها عام 2015، وتعد واحدة من أبرز القطع البحرية الداعمة لعمليات “الناتو“، طولها 176 متراً وعرضها 30 متراً، لذا فهي سفينة حربية من القطاع الكبير.
وحظيت السفينة البريطانية باستقبال لافت من مسؤولين ليبيين كبار، على رأسهم وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة التي يرأسها عبدالحميد الدبيبة، نجلاء المنقوش، ونائب رئيس المجلس الرئاسي موسى الكوني، ومحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، في غياب أي مسؤول عسكري من رئاسة الأركان العامة في طرابلس.
رسالة مهمة
واعتبرت المنقوش أن “رسو سفينة البحرية الملكية البريطانية ألبيون في طرابلس رسالة مهمة تدل على عمق العلاقات بين ليبيا وبريطانيا“. وغردت المنقوش، عبر موقع “تويتر” “بعد انقطاع طويل ترسو على شواطئ عاصمتنا سفينة البحرية الملكية البريطانية لأول مرة منذ ثماني سنوات حاملة رسالة هامة تؤكد عمق العلاقات بين البلدين الصديقين، وبدورنا نثمن جهود المملكة المتحدة لدعم الاستقرار والسلام في ليبيا“.
أما الدبيبة الذي غاب عن استقبال السفينة في الميناء فاستقبل في مكتبه كبار المسؤولين البريطانيين الذين حملتهم، من بينهم كبير مستشاري وزارة الدفاع لمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط الفريق جوي مارتن سامبسون، بحضور سفيرة بريطانيا في ليبيا كارولين هورندال، والملحق العسكري بالسفارة والفريق الفني لوزارة الدفاع البريطانية.
وبحسب بيان صادر عن الحكومة “خصص اللقاء لمتابعة التعاون الفني بين وزارتي الدفاع بالبلدين، وضرورة تفعيل عدد من البرامج في مجال التدريب ونقل الخبرات من قبل الدولة البريطانية” من دون ذكر أي تفاصيل أخرى.
رمز للعلاقة الودية
من جانبها، علقت السفارة البريطانية في ليبيا على الزيارة والجدل الذي صاحبها، قائلة إن “سفينة الإنزال أتش أم أس ألبيون زارت طرابلس كرمز للعلاقة الودية والتعاون بين المملكة المتحدة وليبيا، واستمرت الزيارة ليوم واحد حافل بالأحداث والأنشطة لتعزيز التعاون بين البحرية الملكية والبحرية الليبية، وتعتبر هذه الزيارة الودية جزءاً روتينياً من أنشطة السفينة للتعاون بين البحرية الملكية وقوات البحرية في بلدان البحر الأبيض المتوسط، مثل زيارات سابقة أجروها إلى إسبانيا وقبرص وإيطاليا“.
وتابعت في بيان “ضمن أعراف زيارات سفن البحرية الملكية، تمت دعوة فريق السفارة البريطانية والبحرية الليبية وبعض من القادة الليبيين لحضور حفل على متن السفينة، ونشكر طاقم السفينة على احترام الثقافة الليبية، حيث قدموا ضيافة أكلاً حلالاً ومشروبات غير كحولية للحضور، وتعمل السفارة البريطانية في ليبيا بلا كلل مع جميع الليبيين من أجل إحراز تقدم نحو تحقيق الاستقرار الدائم“.
نقد لطريقة الاستقبال
في المقابل انتقدت جهات ليبية الطريقة التي تم بها استقبال سفينة عسكرية ووفد عسكري مرافق لها من قبل شخصيات سياسية ليبية وليست عسكرية.
وقال الكاتب الصحافي الليبي محمد بعيو “لو أن الذي استقبل القطعة الحربية البريطانية التي رست في ميناء طرابلس كان أحد رؤساء أركان الجيش الليبي لكان ذلك مفهوماً وطبيعياً، على رغم أن دخول هذه الفرقاطة للمياه الليبية مرفوض أصلاً من عدد كبير من الليبيين“.
وأضاف “لكن أن يتدافع على السفينة الحربية، التي لم تكن في زيارة عادية في إطار التعاون بين دولتين في وضع طبيعي، مسؤولون مدنيون من مستوى نائب رئيس المجلس الرئاسي موسى الكوني ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش ومحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، فذلك عار ما بعده عار“.
دخول الصراع الكبير
ورأت أطراف ليبية أخرى أن زيارة السفينة الحربية البريطانية في هذا التوقيت لبقعة استراتيجية مهمة بالنسبة إلى روسيا، في عز الأزمة بين الدولتين، إيذاناً بتحول ليبيا إلى قطعة شطرنج على رقعة اللاعبين الدوليين الكبار رسمياً، خصوصاً أنها طرحت ضمن الدول التي تملك البديل الممكن لتعويض أوروبا عن فقدان إمدادات الغاز الروسي.
وعلق عضو مجلس بنغازي البلدي سابقاً، محمد زواوة، على هذا الطرح قائلاً إن “الغاز الليبي لن يحل مشكلة الأوروبيين، لكنه يساعد ولو بشكل بسيط في تخفيف الأزمة والشتاء القاسي على القارة العجوز مع تبخر الغاز الروسي رويداً رويداً، ومشكلة الغرب مع الغاز الليبي هو أن قوة تابعة لمجموعة فاغنر موجودة قرب حقول الغاز بليبيا.
ومع اشتداد الأزمة في أوكرانيا والضربات التي يتلقاها بوتين أخيراً قد تدخل حقول الغاز الليبي لعبة الشطرنج، لذلك كانت زيارة الفرقاطة الإنجليزية ونظيرتها التركية تبادلاً للرسائل على ظهر السفن الحربية“.
وأضاف “يجب أن نذكر هنا أن ليبيا تنتج نحو 12 مليار متر مكعب من الغاز غالبها للاستهلاك المحلي، ومنها خمسة مليارات متر مكعب إلى إيطاليا عبر الأنبوب (غرين ستريم)، لكن القرب الجغرافي ووجود أنابيب جاهزة يجعلان قيمة الغاز الليبي وتطويره أمراً بالغ الأهمية عند الأوروبيين” .
يصل طول “أتش أم أس ألبيون” إلى 176 متراً وعرضها 30 متراً، لذا فهي سفينة حربية من القطاع الكبير (السفارة البريطانية في ليبيا)
مناورات تركية – ليبية
الجدل المشوب بالشكوك في شأن الغرض من زيارة واحدة من أهم القطع البحرية في الأسطول البريطاني عززه تزامنها مع تنفيذ القوات البحرية التركية تمريناً مشتركاً مع نظيرتها الليبية، شمل تدريبات على المناورة في البحر المتوسط، والتواصل المرئي بين السفن الحربية، إضافة إلى تدريبات أخرى، بحسب وكالة الأنباء التركية.
وفسر المدون الليبي، خالد السليني، تزامن زيارات القطع البحرية التركية والبريطانية بقوله “يبدو أن هناك عملية توزيع أدوار بين تركيا وإنجلترا في ما يخص مواجهة الوجود الروسي، تركيا لا تريد صداماً مسلحاً مباشراً مع روسيا في ليبيا، لأن تشابك مصالحها مع الروس يحتم عليها المحافظة على شعرة معاوية معها.
ولأن الإنجليز قطعوا شعرة معاوية مع الروس منذ بدء حرب أوكرانيا فإن قدوم البارجة الإنجليزية إلى طرابلس واستقبال مسؤولين ليبيين على أعلى مستوى فيها رسالة من إنجلترا أنها عازمة على مواجهة مع الروس في ليبيا، حتى لو رفض الأتراك المشاركة فيها“.
وأضاف “على رغم أن لأنقرة حسابات أخرى أهمها أن الوضع القائم يمنحها نفوذاً ناعماً وتفاهماً مع الروس من دون الحاجة إلى الحرب، فلا توجد خلافات حقيقية بين الأتراك والإنجليز من ناحية استراتيجية، لكن يوجد توزيع أدوار بناءً على أولويات كل طرف واهتماماته العليا، ومع ذلك يبدو أن هناك ضغطاً إنجليزياً – أميركياً على تركيا لمساهمة أكبر في ليبيا، عبر تحريك ملف تسليح قبرص وجزر بحر إيجه المتنازع عليها مع اليونان“.
_____________