من قراءة مستعجلة لمراجعة كتاب التجربة النهضوية التركية: كيف قاد حزب العدالة والتنمية تركيا إلى التقدم؟ للكاتب التركي محمد زاهد جول (صدر عن مركز نماء للبحوث والدراسات، 2013)، نجد أن المؤلف على أبرز أهمية توافق الأمة مع هويتها، وخطورة اصطدام السلطة الحاكمة مع هذه الهوية الاسلامية الجامعة، وبين في تحليله الموضوعي أن الخاسر الأكبر من ذلك الصدام في العالم الإسلامي هي السلطة الحاكمة، وكل أشكالها ممن يصطدم بالهوية الإسلامية للأمة.
حدد المؤلف عوامل نجاح حزب العدالة والتنمية في رؤية الحزب على أربع مستويات:
ـ اكتشاف الذات بـ “قناعاتها الفلسفية والدينية” معا ودون تعارض،
ـ اكتشاف الذات بـ “ماضيها التاريخي والمعاصر” ودون تناقض،
ـ اكتشاف الذات بـ “مقدراتها الاقتصادية والسياسية” بترابط ودون تباغض،
ـ اكتشاف الذات بـ “مميزاتها الحضارية الحوارية” ودون تصادم.
ووصف المؤلف بأن الإصلاح الذي نجح في تركيا الحديثة تطلب بالدرجة الأولى “عملية عثمانية داخلية“، بدأت بمبادرة من السلطان عبد المجيد خان بإصداره فرمان في 4 نوفمبر 1839. وكان الهدف من العملية معالجة الخلل والضعف الناشئ في الدولة، وإعادة حالة القوة والإعمار بمقتضى القوانين الشرعية.
وتناول المؤلف النزاع الذي حصل بين طرفين من العثمانيين، فمن جهة كان الإصلاحيون المحافظون ومن الجهة المقابلة، كانت جماعة المتغربين الساعين إلى علمنة الدولة العثمانية، وقد نجحوا في إلغاء الخلافة العثمانية وإقامة الجمهورية منذ استلم أتاتورك السلطة.
تناول المؤلف بالتفصيل المحطات السياسية التي تقلبت فيها تركيا بعد إلغاء الخلافة، وحتى وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة؛ فبيّن أن تركيا لم تتقدم أحوالها في ظل العلمنة المتشددة، بل تدهورت أحوالها السياسية والاقتصادية، إذ تعاقبت الانقلابات العسكرية فيها، ولم تسعد الدولة التركية بالاستقرار السياسي والاقتصادي، ولم يعد للدولة التركية مكانة مرموقة لا في الشرق ولا في الغرب.
ظلت تركيا ـ شعباً ودولة ـ تتقلب بعدا وقربا وبالتدرج من التصالح مع هويتها طيلة عقود من الزمن، حتى جاء التعديل الدستوري في 1961 وتضمن صفة الدولة التركية وتعديلها من “جمهورية علمانية” إلى “دولة علمانية ديمقراطية”.
وسبق ذلك التعديل مسيرة شاقة من محاولة الإسلاميين الأتراك ممارسة السياسة وإنشاء أحزاب سياسية تعرضت للحل عدة مرات، مثل حزب “حماية الإسلام” (1946)، وحزب “المحافظين”، وحزب “الأمة” (1948) الذي ألغي العام 1953.
وتمكن الإسلاميون الأتراك من تأسيس حزب “النظام الوطني” بمرجعية إسلامية عام 1970، بقيادة المهندس نجم الدين أربكان، وتميزت التجربة الحزبية بقيادة أربكان، بالتركيز على الأفكار والمشاريع، وليس الشعارات التي تجلب التبعات بدون نتائج.
ومن سياسات المهندس أربكان التركيز على اقتصاد الصناعة. ومن مقولاته: “لا يمكن التقدم من خلال السياحة والزراعة. ومن يقول ذلك غافل عن الحقيقة. إن ما يلزمنا هو ثورة صناعية لتطوير الصناعات الثقيلة. فإذا لم نصنع نحن محركاتنا، ولم نصنع مصانعنا، فلن نتمكن من مقارعة الغرب”.
وهذا ما سار عليه أربكان في حياته المهنية. فهو مهندس تخرج من ألمانيا العام 1956، وكان أثناءها يعمل رئيساً لمهندسي الأبحاث في مصانع محركات “كلوفز– هومبولدت– دويتز”، وقام بعدة ابتكارات لتطوير صناعة محركات الدبابات التي تعمل بكل أنواع الوقود.
وعندما رجع إلى تركيا، ساهم في تأسيس مصنع “المحرك الفضي” لتصنيع محركات الديزل، وكان في الثلاثين من عمره. وقد بدأ إنتاج المصنع العام 1960.
كانت انطلاقة حزب العدالة والتنمية امتداد لتجربة المهندس أربكان مع قيامه بتطوير خطابه ومراعاة ظروفه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مستندا إلى تاريخ عريق من العمل الحزبي الإسلامي أو المحافظ، بكل ما فيه من أخطاء وإصلاحات وتجارب.
قدم الحزب نفسه على أنه حزب “نصف ليبرالي وإسلامي معتدل، ولكنه ديمقراطي بالكامل ولذلك تعامل مع العلمانية من منظور جديد. فرفض من جهة المفهوم الأوروبي للعلمانية، وقدم رؤيته الخاصة في ذلك، وهي أن العلمانية “الدعوة للعلم وتحرير تفكير الإنسان وعقله، ورفض الأفكار التي تلغي حرية الإنسان وتحرمه من عقله وتمنعه من اتباع العلم واكتشاف الحياة وتسخيرها لمصلحة الإنسان والناس والبشرية جمعاء”.
وعمل حزب العدالة والتنمية على أن تكون أهدافه هي أهداف كل الشعب التركي، وحرص على العمل مع الشعب التركي بكافة قومياته وتياراته الفكرية وتوجهاته السياسية. ولذلك، حصل الحزب بسبب هذه الأهداف المشتركة والأداء والنتائج القوية على أصوات تفوق عدد مؤيديه الملتزمين، وبقى في السلطة لعدة دورات انتخابية.
طرح المؤلف وجهة نظره في كيفية الاستفادة العربية من تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا، بدأً من أن الديمقراطية ليست شعارا يرفع، وأنها لم تعد قضية عابرة، بل أصبحت هي الأيديولوجيا التي يحملها الغرب ويحارب من أجلها. ونقل عن صمويل هنتنغتون، صاحب نظرية صدام الحضارات، أن الغرب يربط بين الديمقراطية وبين تسع قضايا هي: الفردية، والليبرالية، والدستورية، وحقوق الإنسان، والمساواة، والحرية، وحكم القانون، والسوق الحرة، وآخرها فصل الكنيسة عن الدولة.
وبين المؤلف أن تجربة تركيا في استيراد الديمقراطية بالمفهوم الغربي لم تنجح، وأن الشعب التركي لم يسعد بها، لأنها تقوم على مبادئ تتصادم مع هويته الإسلامية. ولكن حين تمكنت تركيا من المزاوجة بين الهوية الإسلامية والديمقراطية، حصل لها الاستقرار والتقدم.
وختم المؤلف كتابه بخمسة شروط للاستفادة من التجربة التركية، هي:
1 – تجديد الدماء السياسية وإشراك الشباب، والثقة بالمجتمع وأفراده؛
2 – ترسيخ مفهوم أن السلطة هي خدمة للشعب، وليست مغنما واقعاً في سلوك الدولة والمعارضة.
3 – جعل الإنجاز هو الفيصل في تقويم المسؤولين. ولا يكفي الفصل، بل يجب التحقيق والعقوبة في حالة التقصير الضار.
4 – العمل المؤسسي وفق خطط مدروسة وواضحة.
5 – وصول نتائج النهضة لكل مواطن ولكل بيت.
وفي الختام،
نقول: على كل السياسيين الإصلاحيين الحقيقيين الاطلاع على هذه التجربة من خلال دراسة واستيعاب رؤاها وأهدافها ونتائجها، وأن يعملوا على تطبيقها في بلدانهم بما يتناسب مع خصوصية شعوبهم، وأن يتوقفوا على ترديد الشعارات الجوفاء التي لم تمنع فساداً ولم تحقق إصلاحاً.
***
وصف الكتاب
يمتاز المؤلف بإجادته للغة العربية. ولذلك، جاء كتابه شيق العبارة، سلس الأفكار، فلم يكن بحاجة إلى جسر الترجمة الذي يضع في الغالب من قيمة الكتاب الأصلي بسبب “فَرق الترجمة” إذا جاز التعبير! الكتاب يشد القارئ؛ فهو يمتاز بالوضوح والبساطة في عرض الأفكار، كما يمتاز بتقديم حقائق رقمية عن النتائج التي قدمها حزب العدالة والتنمية في تجربته في الحكم منذ العام 2002 وحتى اليوم، في مختلف المجالات وعلى كافة الأصعدة؛ الاقتصادية والصحية والتعليمية والعسكرية والعمرانية، وحقوق العمال والمرأة والأسرة وغيرها.
________________
Как оказалось, купить диплом кандидата наук не так уж и сложно