أ. مها عبد المنعم عيد

من المقرر فقهاً وقضاءً أن الجنسية هى رابطة سياسية وقانونية تربط بين الفرد والدولة يتعهد بمقتضاها الفرد بالولاء وتتعهد الدولة بالحماية.

والجنسية بهذه المثابة هى التى يتحدد على أساسها الركن الأصيل لقيام الدولة، إذ بها يتحدد الشعب، وهو الذى يقوم عليه وبه كيان الدولة . والواقع أن بعض الدول تبيح ازدواج الجنسية وفقاً لمصالح سياسية وإجتماعية وسكانية وإقتصادية وإجتماعية كالنرويج وكندا وأميركا وهولندا والسودان ولبنان، ومن ثم سمحت بإزدواج الجنسية.

والدول التي تسمح بإزدواج الجنسية، حتى تحمي أمنها الوطني، تضع العديد من الشروط لمواطنيها مزدوجي الجنسية، كعدم قبولهم في الأجهزة الأمنية أو السلك الدبلوماسي أوالقضائي أو الترشح لأي إنتخابات.

ففي مصر مثلا، إن تجنس المصرى بجنسية أجنبية حق أقرته له المادة العاشرة من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية التى تجيز للمصرى أن يتجنس بجنسية أجنبية بعد الحصول على إذن بموجب قرار يصدره وزير الداخلية، وإلا ظل معتبراً مصرياً من جميع الوجوه ما لم يقرر مجلس الوزراء إسقاط الجنسية عنه ـ ويترتب على التجنس بجنسية أجنبية وفقا لحكم الفقرة الثانية من المادة العاشرة المذكورة بعد الحصول على الإذن بالتجنس، زوال الجنسية المصرية.

ومع ذلك فإن الفقرة الثالثة من المادة العاشرة أجازت أن يتضمن الإذن بالتجنس إجازة احتفاظ المأذون له وزوجته وأولاده القصر بالجنسية المصرية، فإذا أعلن رغبته فى الإفادة من ذلك خلال مدة لا تزيد على سنة من تاريخ إكتسابه الجنسية الأجنبية ظلوا محتفظين بجنسيتهم المصرية رغم إكتسابهم الجنسية الأجنبية.

وفي البداية لابد من التعرض لمفهوم إزدواج الجنسية لبيان المقصود به، ثم التعرض بعد ذلك لموقف المشرع المصري و القضاء إزاء أحقية المصري مزدوج الجنسية في مباشرة الحقوق السياسية، وذلك حسب التقسيم التالي :

فهوم إزدواج الجنسية

يقصد بإزدواج الجنسية ، المركز القانوني الذي يحظى به شخص ما، ويجمع بمقتضاه بين جنسية دولتين في وقت واحد ، وفقا للشروط التي يحددها القانون. وبعبارة أخرى فهو ذلك الوضع القانوني الذي يكون فيه لنفس الشخص جنسية دولتين أو أكثر، بحيث يعتبر قانوناً من رعايا كل دولة يتمتع بجنسيتها، وذلك بصرف النظر عما إذا كانت الجنسيات قد تعددت دون إرادة الشخص أو كان لإرادته دور في ذلك.

و في هذا السياق ، فإن لشخص يكون مزدوج الجنسية في الفرض الذي يثبت له جنسيتان أو أكثر في وقت واحد ثبوتاً قانونياً وفقا لقانون كل دولة من الدول التي يحمل جنسياتها . ومصطلحات تراكم الجنسيات أو تعدد الجنسيات أو إزدواج الجنسية أو التنازع الإيجابي مسميات لمعنى واحد يفيد تمتع الشخص بأكثر من جنسية وفقا لقانون دولتين أو أكثر أي سيتراكم على الشخص أكثر من جنسية، وبذلك يضحى الفرد متعدد الصفة الوطنية حيث يكون وطنيا في أكثر من دولة . وعلى هدى ما تقدم ، يمكن القول أن المصري مزدوج الجنسية هو الذي حصل على جنسية أجنبية أخرى مع إحتفاظه بالجنسية المصرية ، في إطار الضوابط التي ينظمها قانون الهجرة.

صلاحية مباشرة الحقوق السياسية

و التساؤل يثور هنا حول مدى أحقية مزدوجي الجنسية في مباشرة حقوقهم السياسية، إن كان المشرع المصري قد أجاب على شق واحد من هذا السؤال عندما أقر عدم صلاحية مزدوج الجنسية للترشح لمنصب رئيس الدولة فقد حددت المادة 75 من دستور 1971 والمعدلة بالمادة 26 من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011 الشروط الواجب توافرها فيمن يرشح لرئاسة الدولة فنصت على أنه ” يشترط فيمن يُنتخب رئيساً للجمهورية أن يكون مصرياً من أبوين مصريين ، وأن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية ، وألا يكون قد حمل أو أي من والديه جنسية دولة أخرى ، وألا يكون متزوجاً من غير مصري ، وألا تقل سنه عن أربعين سنة ميلاديـة “.

وكذلك الحال في دستور 2012 الذي نص في المادة (134) على أنه “يشترط فيمن يترشح رئيسا للجمهورية أن يكون مصريا من أبوين مصريين، وألا يكون قد حمل جنسية دولة أخرى، وأن يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، وألا يكون متزوجًا من غير مصرى، وألا تقل سنه، يوم فتح باب الترشح، عن أربعين سنة ميلادية”.

إلا أن التشريع المصري قد وجد خاليا من نص صريح يحظر على مزدوج الجنسية ممارسة حقوقه السياسية، وبالأخص الترشيح لعضوية المجالس النيابية. بالإضافة لإنقسام الفقه وتضارب الإتجاهات القضائية بين مؤيد لأحقية المصري مزدوج الجنسية في الترشيح لعضوية المجالس النيابية وبين معارض لها.

وبناءا على ما سبق ، أعرض في هذا المطلب إلى مدى أحقية مزدوج الجنسية في مباشرة حقوقه السياسية في ظل غياب النص التشريعي القاطع من جانب ، وإنقسام الفقه القانوني من جانب آخر ، وصدور أحكام قضائية نهائية سبقتها حالة من التعارض القضائي من جانب ثالث، مع الوضع في الإعتبار إعتناق المشرع المصري لمبدأ إزدواجية الجنسية كما سبق الذكر.

موقف المشرع المصري

الأصل في الجنسية هو الوحدة – أي أن يكون للشخص جنسية واحدة – أما الإستثناء فهو الإزدواج أو التعدد، و على الرغم من أن غالبية الأنظمة السياسية ترفض التسليم بمبدأ إزدواجية الجنسية، إلا أن المشرع المصري إعتنق مبدأ إزدواجية الجنسية.

بل إن المشرع المصرى ذهب إلى أبعد من ذلك، فمنح إمتيازاً للمصرى المهاجر هجرة دائمة مقرراً له ولزوجته وأولاده القصر المهاجرين معه، بموجب المادة العاشرة من القانون رقم 111 لسنة 1983 الخاص بالهجرة ورعاية المصريين فى الخارج ، فنص على ” للمهاجر هجرة دائمة أن يكتسب جنسية دولة المهجر مع احتفاظه بالجنسية المصرية ويثبت هذا الحق لزوجته وأولاده القصر المهاجرين معه ولزوجته الأجنبية إذا تقدمت بطلب لإكتساب الجنسية المصرية وذلك كله وفقا للأحكام والإجراءات المقررة بمقتضى القانون الخاص بالجنسية المصرية “.

ولعل ذلك المسلك من المشرع المصرى كان يهدف – فى إستحداثه الحكم بإحتفاظ المصرى المتجنس بجنسية أجنبية بالجنسية المصرية – إلى الإبقاء على الرابطة بين الأسرة المصرية المستقرة فى المهجر، وبين الوطن ليظل باب العودة مفتوحا أمامهم مهما طال الأمد مما يزيد من قوتهم المعنوية فى نضالهم فى المهجر، ويكفل للدولة الحفاظ على أفراد الشعب المصرى المقيمين بالخارج. والملاحظ في ظل التشريعات المصرية هو غياب النص التشريعي القاطع بالنسبة لأحقية مزدوج الجنسية في ممارسة حقوقه السياسية، فالقانون رقم 73 لسنة 1956 في شأن تنظيم مباشرة الحقوق السياسية لم يقيد أحقية المصري مزدوج الجنسية في مباشرته لتلك الحقوق فنصت المادة الأولى من القانون سالف الذكرعلى ” كل مصرى ومصرية بلغ ثمانى عشرة سنة ميلادية أن يباشر بنفسه الحقوق السياسية .. إلخ”.

وكذلك خلت المادة الخامسة من قانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب و المادة السادسة من القانون رقم 120 لسنة 1980 في شأن مجلس الشورى من نص يحظر على مزدوج الجنسية مباشرة حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب أو الشورى، فالثابت أن المواد السابقة لم تشترط بشكل صريح فيمن يمارس حقوقه السياسية ألا يكون حاملا لجنسية أخرى بخلاف الجنسية المصرية ، وإنما إشترط فقط التمتع بالجنسية المصرية.

بالإضافة إلى أن المشرع قد تخلى عن ذلك المسلك الضمني، فنص صراحة في المادة الأولى من القانون رقم 111 لسنة 1983 الخاص بالهجرة ورعاية المصريين فى الخارج على أن ” للمصريين فرادى أو جماعات حق الهجرة الدائمة أو الموقوتة الى الخارج ، وسواء أكان الغرض من هذه الهجرة مما يقتضى الإقامة الدائمة أو الموقوتة فى الخارج وفقا لأحكام هذا القانون وغيره من القوانين المعمول بها ويظلون محتفظين بجنسيتهم المصرية طبقا لأحكام القانون الخاص بالجنسية المصرية ولا يترتب على هجرتهم الدائمة أو الموقوتة الإخلال بحقوقهم الدستورية أوالقانونية التى يتمتعون بها بوصفهم مصريين طالما ظلوا محتفظين بجنسيتهم المصرية ”

ولم يفعل المشرع ذلك إعتباطا ، ولإنما قام يذلك تأكيدا لفلسفة جديدة أملتها الظروف الإقتصادية التي فرضت باب الهجرة أم ام المصريين الذين ضاقت بهم أرض الوادي، مع إعطائهم مكنة العودة إلى أرض الوطن مكرمين غير منقوصة حقوقهم.

موقف القضاء المصرى

على الرغم من أن الدستور المصرى الصادر 1971، وكذا الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011، ودستور 2012 ، لم يفرقا فى الحقوق والواجبات بين المصرى غير المتجنس بجنسية أجنبية وبين المصرى مزدوج الجنسية إلا أن هناك تضارب في الإتجاهات القضائية بين مؤيد لأحقية المصري مزدوج الجنسية في الترشيح لعضوية المجالس النيابية وهو الإتجاه الذي رفعت رايته محكمة القضاء الإداري بالمنصورة، وبين معارض لهذه الأحقية وهو ما تمسكت به المحكمة الإدارية العليا.

والواقع أن الخلاف حول مدي أحقية متعدد الجنسية في الترشيح لعضوية المجالس النيابية هي ظاهرة صحية لأنها قد تؤدي في النهاية الي إدراك الحل التشريعي الذي تراه الأغلبية البرلمانية الأكثر اتفاقا مع المصلحة الوطنية.

أولا: الــرأي المؤيد

الــرأي المؤيد لأحقية المصري مزدوج الجنسية في الترشيح لعضوية المجالس النيابية ، قضت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة في الدعوى رقم 34 لسنة 23 ق والدعوى رقم 215 لسنة 23 القضائية، والدعوى رقم 214 لسنه 23 القضائية بأحقية المصري مزدوج الجنسية في الترشيح لعضوية المجالس النيابية.

وأوردت المحكمة بأحكامها سالفة الذكر أن المستفاد من نص المادة الخامسة من القانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب، أن المشرع حدد الشروط الواجب توافرها فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب، ومنها ضرورة أن يكون المتقدم للترشيح مصرى الجنسية من أب مصرى، ويترتب على إفتقاد هذا الشرط عدم جواز قبول الترشيح، وأما من يتوافر فى شأنه هذا الشرط بالإضافة إلى باقى الشروط المحددة بنص المادة الخامسة من القانون المشار إليه، فإنه يكون من حقه الترشيح لعضوية مجلس الشعب، ويتعين قبول الطلب المقدم منه فى هذا الشأن.

ولا ينال من ذلك الحق المقرر له فى الترشيح أن يكون قد اكتسب جنسية أخرف بالإضافة إلى جنسيته المصرية، طالما إنه مازال محتفظا بها ولم يتم إسقاطها عنه طبقا للقواعد المقررة قانونا، لأن اكتسابه جنسية أخرى ليس من شأنه بذاته إسقاط الجنسية المصرية عنه، مما يفقده – لو تحقق – أحد الشروط الأساسية الواجب توافرها فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب.

والقول بعكس ذلك من شأنه إضافة شرط جديد إلى شروط الترشيح لم يتضمنه النص. وأنه من الواجب التقيد بالأحكام المقررة فى التشريع دون الإضافة إليها أو التعديل فيها، وهو ما يتفق وحكم المادة (1) من قانون الهجرة ورعاية المصريين بالخارج الصادر بالقانون رقم 111 لسنه 1983 والتى قررت الاحتفاظ للمتجنس بجميع حقوقه الدستورية والقانونية التى كاف يتمتع بها قبل التجنس طالما احتفظ له بجنسيته المصرية.

ويذهب أنصار هذا الإتجاه إلى أن حرمان المصرى المزدوج الجنسية من الترشيح لمجلس الشعب يجعل من الأجنبى الذى اكتسب الجنسية المصرية، ومضى على اكتسابه لها مدة عشر سنوات فى وضع متميز عن المصرى، المتجنس بجنسية أجنبية، فالمادة التاسعة من قانون الجنسية المصرية رقم 26 لسنة 1975 تجيز للأجنبى المتجنس بالجنسية المصرية إنتخابه وتعيينه فى الهيئات النيابية إذا مضى على اكتسابه للجنسية المصرية عشر سنوات ، بل إن الأجنبى المكتسب للجنسية المصرية بقرار من رئيس الجمهورية بموجب المادة الخامسة من قانون الجنسية المصرى يظل أيضا فى وضع متميز عن المصرى مزدوج الجنسية، فيكون من حق الأول الترشيح للمجالس النيابية دون تعليقه على مدة كالمدة التى تستلزمها المادة التاسعة المشار إليها.

بالإضافة إلى أن المصرى مزدوج الجنسية قد إستخدم حقا قررته له أحكام قانون الجنسية المصرية، فاستخدام الحق لا يرتب جزاء، بل يظل حقاً.

ثــانيا: الــرأي المعارض

الــرأي المعارض لأحقية المصري مزدوج الجنسية في الترشيح لعضوية المجالس النيابـة وهو ما تمسكت به المحكمة الإدارية العليا في أغلب أحكامها، فقضت فبحكميها في الطعنين رقم 1947 لسنة 47 قضائية و الطعن رقم 1946 لسنة 47 القضائية ، والصادرين في 10/12/2000.

أن (( ومن حيث إن المادة الخامسة من القانون رقم 38 لسنه 1972 فى شأن مجلس الشعب تنص على أنه “يشترط فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب الآتى 1- أن يكون مصرى الجنسية …………” ومفاد هذا النص – وحسبما إنتهت إليه المحكمة الإدارية العليا – أنه يشترط أن يكون المرشح صاحب جنسية وحيدة هى الجنسية المصرية شرط الجنسية المصرية ليس فقط شرطا للانتساب إلى مجلس الشعب وإنما هو شرط صلاحية للاستمرار فى عضوية هذا المجلس.

ومن حيث إن الجنسية المصرية – وفقا لصريح أحكام المادة (6) من الدستور – التى تضفى على من يتمتع بها وصف المواطن المصرى، أمر يختص به القانون وحده الذى ناط به الدستور أمر تنظيمها، وهى صفة غالية وشرف لا يدانيه شرف، يترتب عليها تمتع الشخص بحقوق المواطنة والمشاركة فى إدارة الشئون العامة للوطن وللشعب التى تستلزم الولاء العميق والتام لهذا الوطن ))

المحكمة الإدارية العليا – الطعن رقم 1946 – لسنة 47 قضائية – تاريخ الجلسة – 10/12/2000 –رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 182 .

كما قضت في حكمها الصادر في الدعوى رقم 1960 لسنة 47 قضائية بأن ” عدم أحقية مزدوج الجنسية فى الترشيح لعضوية مجلس الشعب – أساس ذلك : حيازة الشخص لجنسية أخرى غير الجنسية المصرية معناه أن الولاء المطلق والكامل والواجب من قبله لمصر قد إنشطر قانونا إلى ولاءين أحدهما لمصر والآخر لوطن أجنبى آخر – النيابة عن الشعب تتطلب ولاء كاملا لمصر بإعتبار أن مهمة مجلس الشعب هى تولى سلطة التشريع وإقرار السياسة العامة للدولة ممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية – لا ينال من ذلك أن قانون الجنسية أجاز أن يتضمن الإذن بالتجنس إحتفاظ المأذون له بالجنسية لأن ذلك لآعتبارات أملتها الضرورة العملية المتمثلة فى طمأنة المصريين فى الخارج الذين إكتسبوا جنسية المهجر أنهم مازالو مرتبطين بوطنهم الأصلى ولهم حق العودة إليه فى أى وقت – عودة المصرى من الخارج وإستقراره فى مصر من شأنها أن تزول عنه العلة من الأحتفاظ بالجنسية الأجنبية – يؤكد ذلك : عبارات القسم الذى يقسمه عضو مجلس الشعب قبل تولى العضوية”

المحكمة الإدارية العليا – الطعن رقم 1960 – لسنة 47 قضائية – تاريخ الجلسة 6/11/2000 – رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 126

ويستفاد من ذلك أن المحكمة الادارية العليا أدركت عدم أحقية متعدد الجنسية الترشيح لعضوية المجالس النيابية فسارعت بالحكم أكثر من مرة بحرمانه من حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب عملاً بروح التشريع وحكمته‏.‏

وإتجهت في جميع أحكامها إلى حرمان المصرى المتجنس بجنسية أجنبية من الترشيح لعضوية المجالس النيابية مستندا، فيما استند إليه من أسانيد شبهة إزدواج الولاء معتبرا أن من تداعياتها الإعفاء من أداء الخدمة العسكرية فى حالة كونه مطلوبا لأدائها، و في ضوء أحكام هذا القضاء – الذي في طريقه الي التواتر ـ يُتصور بأن القانون الوضعي المصري قد أصبح يتضمن بالفعل قاعدة تحظر علي متعدد الجنسية الترشيح لعضوية مجلس الشعب‏,‏ أو بسبيله علي الأقل نحو إرساء هذه القاعدة‏.‏

موقف الفقه المصري الراجح

موقف الفقه المصري الراجح إزاء أحقية مزدوج الجنسية في مباشرة الحقوق السياسية إزاء أحقية مزدوج الجنسية في مباشرة الحقوق السياسية ، إختلف موقف الفقه القانوني بين إتجاه مؤيد لأحكام المحكمة الإدارية العليا التي انتهت الي حرمان متعدد الجنسية من حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب ، وإتجاه رافض لهذا الحرمان ‏.

ودون الدخول في تفصيلات لا يتسع إليها البحث، فإن الباحثة ترى أن الرأي الراجح في هذا النطاق هو رفض الإعتراف بأحقية المصري مزدوج الجنسية مباشرة حقوقه السياسية ، وذلك بناءا على:

أولاإن الأصل في القانون الدولي هو أن كل دولة حرة في تنظيم معاملة مواطنيها من متعددي الجنسيات‏.‏

وهذا ما قررته اتفاقية لاهاي لسنة ‏1930‏ التي واجهت مشاكل التنازع في مسائل الجنسية حيث أجازت لكل من الدول التي يحمل الشخص جنسياتها أن تعتبره من مواطنيها‏,‏ وفي هذه الحالة لا يجوز للشخص أن يتمسك في مواجهة الدولة بصفته الأجنبية‏.‏

ومفاد ذلك أنه يجوز للدولة أن تعامل متعدد الجنسية علي أنه من مواطنيها وفقا لسلطتها التقديرية‏.‏

فالدولة غير ملزمة وفقا لأحكام القانون الدولي بأن تسوي بين مركز متعدد الجنسية وغيره من مواطنيها الذين لا يتمتعون إلا بجنسيتها‏.‏ وإذا لم تضع الدولة في تشريعها الداخلي قيودا علي حقوق متعدد الجنسية من مواطنيها‏,‏ فإن الأصل هو معاملة هؤلاء معاملة الوطنيين في كل من الدول التي يحمل المتعدد جنسيتها‏,‏ مالم ير المشرع الداخلي حرمانه من بعض الحقوق المتميزة حماية للمصلحة الوطنية‏ التي توجب التضحية بأي أمور أخرى ,‏ مثل حرمانه من تولي المناصب العامة ذات الخطر‏,‏ أو احتلال مواقع سياسية توثر بصورة مباشرة في صناعة القرارات المصيرية للأمة‏,‏ مثل الترشيح لرئاسة الدولة أو عضوية المجالس النيابية أو تولي الوزارة أو الانضمام لصفوف القوات المسلحة أو العمل بالسلك الدبلوماسي‏.‏

ثانيا‏:‏ إذا كان للدولة أن تعامل متعدد الجنسية ذات معاملة الوطنيين دون إنتقاص أو تحرمه من بعض الحقوق السياسية المتميزة وفقا لما تقدره حماية لأمنها القومي

فإن إتخاذها لهذا الموقف الأخير لا يقوم كما ظن علي فكرة التشكيك في ولاء مزدوج الجنسية‏,‏ ولكن علي أساس أنه متعدد الولاء‏.‏ وفارق كبير بين التشكيك في الولاء وبين فكرة الولاء المزدوج‏.‏

فهذه الفكرة الأخيرة تعني ان متعدد الجنسية يشعر بالولاء لدولتين في نفس الوقت‏.‏ وتلك حقيقة يمكن افتراضها كما انتهت الي ذلك وبحق المحكمة الإدارية العليا في مصر‏.

وهذا الموقف القضائي لا يعني إنكار ولاء متعدد الجنسية لإحدي الدول التي يتمتع بجنسيتها‏,‏ بقدر ما يعني رفع الحرج عنه عند اتخاذ قرار أو موقف في شأن مسألة تتعارض فيها كل من مصلحة الدولتين التي يحمل جنسيتهما‏.‏

وإذا كان هذا الوضع يبدو شديد الوضوح في حالة العسكريين الذين قد تضطرهم الظروف إلي خوض معارك تتضارب فيها المصالح الدولية‏,‏ وكذلك حالة الدبلوماسيين الذين يمثلون دولتهم لدي دولة أخري قد يكون الدبلوماسي حاملا لجنسيتها أيضا‏,‏ فإن الأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة للوزراء وغيرهم من المتولين لوظائف سياسية تتعلق بمصير الأمة‏,‏ وكذلك أعضاء مجلس الشعب المناط بهم مراقبة أعمال السلطة التنفيذية وسن التشريعات الداخلية أو الموافقة علي نفاذ الاتفاقات الدولية المبرمة بين مصر ودولة أجنبية قد يكون أحد الأعضاء حاملا لجنسيتها مع الجنسية المصرية.

ثالثايضاف إلى ما سبق، أن تواتر المحكمة الإدارية العليا على رفض الإعتراف بأحقية المصري مزدوج الجنسية من شأنه أن يمثل قاعدة قانونية واجبة الإحترام ، لحين تدخل المشرع بنص صريح يخالف هذا المسلك.

_______________

المصدر: محاماة نت .. استشارات قانونية مجانية

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *