يزن كلش
لطالما تناولت الأفلام أفكاراً مختلفة، بعضها قد يكون خيالياً، عن جماعة من الناس لا تستطيع دخول منطقة ما بسبب اللون أو العرق أو بسبب الحالة الاقتصادية. وغالباً ما يؤكد التقسيم أن المناطق المرغوب فيها تتفوق على غيرها من حيث العمل أو الرفاهية أو من حيث العمارات.
تلك المشاهد لم تبتعد عن حقائق ساطعة. فمن عاشوا الحروب يرغبون في التغيير لحفظ أرواحهم والحصول على فرصة حقيقية للحياة ليس من أجل أنفسهم فقط بل أيضاً من أجل فلذات أكبادهم، كي لا يعانوا مرارة ما عاشوه هم في بلدانهم الأصلية.
هرباً من الحالة المعيشية
عبد الرزاق الألشي، سوري متزوج منذ 10 سنوات، وله ولدان ويعمل في بيع قطع المضخات، يقول إن فكرة السفر لم تكن واردة عنده طوال الأحداث في سوريا إلا أن الوضع منذ عام 2020 بدأ يتدهور تدريجياً، إذ كل مساحات الحياة تراجعت وغابت الخدمات.
ويضيف: “ما عاد بدي أحكي بموضوع الخدمات المفقودة، بحس إنه استهلك خلص، بس الحقيقة إنه نحنا بدنا نعيش ولهيك عم فكر جديّاً بالسفر مو مشاني، مشان ولادي اللي ما شافو شي من الدنيا غير العتمة والبرد، حابب إنه يعيشوا شوي ويحسوا إنه برا البلد، الحياة ماشية وفي مكان للطموح والفكير بعيداً عن الأولويات اللي ما لازم نفكر فيها”.
ينوي عبد الرزاق السفر لأوروبا بأي طريقة وإن تهريباً، معتبراً أن حياته ليست أثمن من حياة الآخرين الذين خاضوا هذه المغامرة، بالإضافة إلى رغبته في تأمين مستقبل أبنائه ونقلهم نحو الانفتاح والرفاهية.
الحمدلله الرزق موجود، بس شو بينفع الرزق إذا الأولاد غابوا، قررت من وقت سافر فارس أصغر أبنائي، أن أعتبر الجميع أولاداً لي
يتأسف عبد الرزاق عن عدم رحيله أثناء موجة اللجوء بين عامي 2014 و 2016 عندما كانت الدنيا كلها مفتوحة والدول الأوروبية تستقبل اللاجئين بسهولة. يقول: “على الأقل كنت أقدرت أطلع ولادي وياخدوا الجنسية وساعتا يروحوا أينما يريدون، بدهم يسافروا، يضلوا، يعملوا اللي بدن ياه وبهي الحالة ما بيكون عليّ عتب، وعملت اللي عليّ وزيادة، المهم إنه النية صارت جاهزة، ومنتظر يطلع الجواز”.
يبيّن الرجل الأربعيني أن التقدم لنيل جواز سفر بات صعباً حتى أن ثمن المعاملة السريعة من أجل إصداره أصبح مرتفعاً. ويتابع: “إذا بدك تسافر صعب، وصعب تلاقي بلد تطلعك بالجواز السوري، الدنيا مسكرة وكأنوا السوريين صاروا إرهابيين، لهيك قررت الإسراع لطلع ولادي، ما حدا بيعرف كيف بيصير الوضع مع الوقت، وبهي الحالة أنا متأكد إنه ولادي حيدعوا عليي ليش جبتهم على الدنيا”.
من عاشوا الحروب يرغبون في التغيير لحفظ أرواحهم والحصول على فرصة حقيقية للحياة ليس من أجل أنفسهم فقط بل أيضاً من أجل فلذات أكبادهم.
تغلق الدول أبوابها في وجه السوريين وغيرهم من مواطني ليبيا والعراق واليمن، بعدما انتشرت فيها جماعات مصنفة على لوائح الإرهاب. لذلك باتت تخشى تسرب أفراد محسوبين على التنظيمات إليها وإحداث مشاكل أمنية فيها.
وهذا يطبق على الجميع ما عدا من كان لديه حساب بنكي وملكيات خاصة وغيرها من الشروط التي تعلم بها حكومات الدول الغربية، أي أن الشخص الذي يطلب فيزا، سيكون موجوداً بماله ولن تتحمل هذه الدول أعباء مصاريفه إذا تقدم إلى الجوء.
ورغم أن الشروط صعبة استطاع الكثيرون النفاذ بشكل وهمي، وبعد ذلك يرمون أوراقهم الرسمية ويطلبون اللجوء بعد أن تطأ أقدامهم أراضي الدول الغربية.
أحلام بالحب وبالحياة المستقرة
محمد كيلاني طالب سنة رابعة طب في جامعة دمشق، يدرس اللغة الألمانية ليتمكن من السفر مباشرة بعد الانتهاء من المرحلة الجامعية، يقول إنه عاش الكثير من الصعوبات في سوريا ولا يريد أن يكمل حياته بهذا الشكل بعدما فقد كل شيء. لذلك قرر دراسة اللغة الألمانية ليحصل على منحة ويستقر في إلمانيا ويتزوج الفتاة التي يحبها، ويأمن جنسية له ولها ولأولاده.
ويتابع: “كل التخطيط الذي رسمته لحياتي قد لا يحدث، ولكن عليّ أن أجتهد، ليس من أجلي فقط بل من أجل الفتاة التي انتظرتني وآمنت أننا سنعيش معاً، وننجب أطفالاً يحملون جنسيات غير تلك التي نملكها، ونمضي نحو الحياة كما يفعل الآخرون في كل الدول”.
يستنكر محمد اندلاع الحرب في سوريا، ويقارنها بالحرب العالمية في أوروبا، حيث لم يكن هنالك تدقيق على الحدود والجميع يستطيعون أن يسافروا بسهولة، لكن أوروبا تبقى أوروبا ونظرتها إلى الشعب العربي تبقى مختلفة عن نظرته هو إليها.
كل التخطيط الذي رسمته لحياتي قد لا يحدث، ولكنني أجتهد، ليس من أجلي فقط بل من أجل الفتاة التي انتظرتني وآمنت أننا سنعيش وننجب أطفالاً يحملون جنسيات أفضل
يعرف محمد أن المجنسين أوروبياً، سيكونون مختلفين أيضاً عن سكان البلد الأصليين، لكن على الأقل الاختلاف يكون بدرجة أو اثنتين، بعكس من هم خارج القارة العجوز، وخاصة من الشرق أوسطيين.
_____________