نشرت القبس في عدد 20 أغسطس 1981، خبر اشتباك طائرات حربية ليبية مع مقاتلات أميركية في مواجهة مباشرة فوق البحر الأبيض المتوسط  اثر تدهور في العلاقات بين البلدين.وأعلنت ليبيا ان الاشتباك جرى فوق خليج سدرا الليبي الذي لا تعترف به الولايات المتحدة، واسفر عن اسقاط طائرتين ليبيتين وطائرة أميركية.

وفيما يلي نص الخبر: مواجهة جوية ليبية – أميركية فوق المتوسط

طرابلس: أسقطنا طائرة وخسرنا اثنتين … واشنطن: ريغن مرتاح والمسألة منتهية

أميركا طلبت من رعاياها مغادرة الأراضي الليبية

اشتبكت طائرات حربية ليبية مع مقاتلات أميركية في مواجهة مباشرة فوق البحر الأبيض المتوسط صباح أمس اثر تدهور في العلاقات بين البلدين.

وأعلنت ليبيا ان الاشتباك جرى فوق خليج سدرا الليبي الذي لا تعترف به الولايات المتحدة، واسفر عن اسقاط طائرتين ليبيتين وطائرة أميركية، بينما قالت واشنطن انه وقع في المجال الجوي الدولي ونفت سقوط أي من الطائرات الأميركية.

ناطق عسكري ليبي أعلن ان المقاتلات الليبية اسقطت طائرة «أف – 14» أميركية في معركة جوية فوق خليج سدرا (سيرت). وأضاف ان طائرات تابعة للأسطول السادس الأميركي انتشلت قائد الطائرة التي سقطت في البحر، وان البحرية الليبية عثرت على حطام الطائرة الأميركية.

وذكر الناطق ان 8 طائرات أميركية اعترضت في ساعة مبكرة من صباح أمس طائرتين مقاتلتين ليبيتين كانتا تقومان بطلعات روتينية فوق المياه الاقليمية الليبية، وفتحت عليهما النيران.

وذكر الناطق الليبي ان «هذا التصرف يأتي في ضوء التصعيد للعدوان الأميركي ضد الشعب الليبي وثورته».

وقال: «ان السلاح الجوي الأميركي يقوم باختراقات مستمرة ومكثفة وبشكل استفزازي لأجوائنا ومياهنا الاقليمية في «خليج سدرا».

ولم يشر الناطق إلى إصابة أي من الطائرات الليبية، لكن رئيس البعثة الليبية في لندن عمر سوداني أكد ان الطائرات الأميركية اسقطت طائرتين ليبيتين. وأبلغ مؤتمراً صحافياً ان الطائرتين أسقطتا على بعد أقل من 30 ميلاً من السواحل الليبية. وقال «ان تدخل الطائرات الأميركية ضد الطائرتين الليبيتين يعد عدواناً مبيتاً لا يمكن تبريره بأي طريقة أخرى». وأضاف: «ان الولايات المتحدة تسعى بمساعدة مصر إلى الاطاحة بالحكومة، وقال ان قوات أميركية تجري مناورات في المياه الاقليمية الليبية لبعض الوقت، ونفى ادعاءات أميركية بأن المناورات تجري في المياه الدولية، وأكد ان المنطقة التي تجري فيها المناورات تقع ضمن سيادة المياه الاقليمية الليبية».

وذكر المسؤول الليبي ان القوات المصرية تجري مناورات على حدود ليبيا الشرقية، وان هذه المناورات بدأت منذ زيارة الرئيس المصري أنور السادات لواشنطن.

وقد احتجت ليبيا إلى مجلس الأمن الدولي ضد مهاجمة الطائرات الأميركية للطائرتين الليبيتين.

الرواية الأميركية

في واشنطن قال وزير الدفاع الأميركي كاسبار واينبرغر ان طائرتين تابعتين للبحرية الأميركية اسقطتا طائرتين مقاتلتين ليبيتين في المجال الجوي الدولي فوق البحر الأبيض المتوسط.

وأعلن في مؤتمر صحافي «ان الطائرتين الليبيتين اطلقتا صاروخ جو جو خلال الهجوم على الطائرتين الأميركيتين وهو هجوم من دون استفزاز ووقع في مكان يبعد أكثر من 60 ميلاً عن البر».

وتقول ليبيا ان حدودها البحرية تمتد 200 ميل من ساحلها لكن الولايات المتحدة ترفض ذلك. ونفى واينبرغر ان تكون المناورات البحرية الأميركية التي ادت إلى الاشتباك الجوي بمنزلة تحد للرئيس معمر القذافي والاتحاد السوفيتي. وقال ان طائرتين من طراز «إف 14 تومكات» كانتا في دورية روتينية في اطار المناورات عندما ظهرت طائرتان ليبيتان مقاتلتان وأطلقتا النار على الطائرتين الأميركيتين.

وذكر واينبرغر ان الرئيس رونالد ريغان أُبلغ بالحادث بعد 6 ساعات من وقوعه وانه «استحسن الإجراء».

وقال وزير الدفاع الأميركي ان الولايات المتحدة احتجت فوراً على الهجوم.. وحذرت المذكرة الأميركية التي سلمتها بلجيكا للحكومة الليبية، حيث لا يوجد لأميركا سفارة في طرابلس من ان «أي هجوم آخر على القوات الأميركية العاملة في المياه الدولية والمجال الجوي الدولي سوف يقاوم بالقوة أيضاً إذا اقتضى الأمر».

«مسؤول في «البنتاغون» قال إن طائرة ليبية من طراز «اس يو 22» سوخوي أطلقت صاروخاً من طراز أتول، بينما كانت طائرة ليبية أخرى من الطراز نفسه تهاجم الطائرتين الأميركيتين من طراز «أف ــ 14» اللتين أطلقتا صواريخهما من طراز «ايم 9 سايدوند».

وقد أصابت الصواريخ الأميركية الطائرتين الليبيتين، وقال المسؤول ان طياراً ليبياً شُوهد وهو يقفز من طائرته بالمظلة، ولكن مصير الطيار الآخر غير معروف.

ونفى المسؤول الأميركي ان تكون المقاتلات الليبية قد اسقطت طائرة أميركية.

واحتجت أميركا بدورها إلى مجلس الأمن، وقد تطلب عقد اجتماع عاجل له، كما أبلغت الاتحاد السوفيتي بالحادث وطلبت عقد اجتماع طارئ لحلف شمال الأطلسي للاطلاع على الاشتباك الجوي.

المسألة منتهية

لاري سبيكس الناطق باسم البيت الأبيض أعلن ان الولايات المتحدة تعتبر الاشتباك الجوي منتهياً، وقال: «ان الرئيس ريغان يأسف للهجوم الذي تعرضت له الطائرات الأميركية، ولكنه أعرب عن تأييده التام لرد الطائرات الأميركية». بينما أعلن متحدث باسم «البنتاغون» ان المناورات الأميركية في البحر الأبيض المتوسط انتهت كما هو مقرر لها. وكرر القول انها كانت مناورات روتينية.

نداء

في الوقت نفسه جددت الولايات المتحدة نداءها إلى رعاياها الموجودين في ليبيا لكي يغادروها. وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية ان حوالي 2500 أميركي لا يزالون موجودين في ليبيا رغم نداء مماثل وجه إليهم يوم 6 مايو الماضي، حين أغلقت الولايات المتحدة المكتب الدبلوماسي الليبي في واشنطن وطردت كل الدبلوماسيين من هذا البلد.

وأضاف «ان الحكومة الأميركية وجهت هذا النداء بصفة خاصة إلى الشركات البترولية الأميركية التي يعمل لديها معظم الأميركيين في ليبيا.. وتأتي نحو 11 في المئة من الواردات الأميركية من البترول من ليبيا».

ردود فعل

وأثار الاشتباك الجوي الليبي ــ الأميركي ردود فعل في أنحاء مختلفة من العالم. ففي موسكو لم يصدر رد فعل رسمي من الاتحاد السوفيتي، لكن التلفزيون السوفيتي وصف اسقاط الطائرتين الليبيتين بأنه عمل من أعمال القرصنة.

• راديو دمشق أكد مساء أمس ان اعتراض الطيران الأميركي لطائرتين ليبيتين واسقاطهما يعد بمنزلة «تصرف عدواني موجه ضد الجماهيرية الليبية» شريكة سوريا في الجبهة العربية للصمود التي تضم أيضاً الجزائر واليمن الجنوبي ومنظمة التحرير الفلسطينية.

• في الجزائر أبدت الدوائر الرسمية قلقاً بالغاً حيال الاشتباك الجوي.. وقالت ان رئيس الحكومة الجزائرية السيد محمد عبدالغني أجرى اتصالات هاتفية عدة حول هذا الموضوع مع الرائد عبدالسلام جلود.

في بيروت نددت منظمة التحرير الفلسطينية باسقاط الطائرتين الليبيتين ووصفته بأنه «عمل عدائي فاضح وتهديد ارهابي لليبيا».

ودعت المنظمة في بيان لها أمس الدول العربية إلى اتخاذ إجراءات شاملة لمواجهة العدوان الأميركي «وأول عمل قرصنة رسمي خطير تنفذه الولايات المتحدة».

وقال الناطق الرسمي باسم المنظمة السيد ياسر عبد ربه ان هذا الحادث هو عمل عدائي فاضح وتهديد للجماهيرية الليبية نفذته الإدارة الأميركية.

وأضاف ان هذا العدوان يتطلب من العرب اتخاذ إجراءات ثورية وخاصة من قبل الدول الأعضاء في جبهة الصمود والتصدي لمواجهة هذه التطورات الأميركية العسكرية بخطوات شاملة.

وأشار البيان «إلى ان العدوان الأميركي هو عدوان على الأجواء الليبية، ويأتي ضمن مخطط تنفذه مصر والسودان، حيث يقومان في الوقت نفسه بحشد قواتهما على الحدود الليبية».

• الحكومة المصرية امتنعت عن التعليق على الاشتباك، لكن مصدراً عسكرياً مصرياً قال ان القوات المصرية لا تجري أي مناورات عسكرية على الحدود مع ليبيا هذا الأسبوع.

وقال المصدر: لا ارتباط على الاطلاق بين المناورات الحربية الأميركية في البحر المتوسط والقوات المصرية التي على الحدود المشتركة مع ليبيا.

• إيران أعلنت وقوفها إلى جانب ليبيا.

• في طوكيو قالت وزارة الخارجية اليابانية ان الاشتباك الجوي الأميركي – الليبي لن يؤدي إلى أزمة.

سوخوي

قالت مصادر عسكرية أميركية ان طائرة «سوخوي 22» تحمل عادة أطناناً من القنابل المدمرة، وأضافت ان هذه الطائرة مخصصة بصورة أساسية لقصف حاملات الطائرات.

خليج سدرة

يقع خليج سدرا، الذي يعرف أيضاً باسم «سيرت» في منتصف الشواطئ الليبية المطلة على البحر الأبيض المتوسط. وعلى الشاطئ الشرقي للخليج تقع مدينة بنغازي العاصمة الثانية للجماهيرية العربية الليبية. أما على الشاطئ الغربي فتوجد مدينة «مصراتة». وفي جنوب الخليج توجد مدينة «سيرت» ومدينة «الحسون»، والمنطقة الواقعة شرق وغرب وجنوب الخليج تعرف باسم «صحراء سيرت».

ازدادت أهمية خليج سدرا، بعد ان أثبتت الدراسات الجيوفيزيائية والمكمنية وجود كميات كبيرة من الغاز في البحر تقدر بحوالي 40 تريليون قدم مكعبة.

وبعد ان تم حفر عدد من الآبار البحرية، تأكدت الجهات المختصة من وجود 21 تريليون قدم مكعبة بالفعل. وأثبتت الدراسات كذلك وجود كميات كبيرة من الغاز المصاحب للنفط بين الكميات المكتشفة، وهو ما يعني وجود حقول غنية بالنفط في الخليج.. ويتوقع المزيد من الاكتشافات في المواقع البحرية المختلفة من الخليج.

أما منطقة اليابسة الواقعة جنوبي الخليج، التي تعرف باسم «حوض سيرت» فهي مناطق مؤملة جداً بالنسبة للغاز والنفط أيضاً. فالصخور الموجودة بالمنطقة هي أكثر الصخور النفطية وفرة وعمقاً، وهي مصدر المواد الهيدروكربونية في الحوض كله والتي تدل على وجود الغاز والنفط بكميات كبيرة.

وهذه الأرقام والحقائق أكدتها نشرة «الأوابيك» الصادرة في مارس الماضي.

والخليج يمثل شبه بحيرة داخل الأراضي الليبية تحيط بها الأراضي عدا جهتها الشمالية، لذلك أعلنت الجماهيرية العربية الليبية انها تعتبر خليج سدرا «سيرت» بحراً داخلياً وجزءاً لا يتجزأ من اقليمها، ويخضع لكامل سيادتها، وذلك وفقاً لإعلان صدر عام 1973، كما أعلنت بحدود مياهها الاقليمية اثني عشر ميلا، غير ان الولايات المتحدة رفضت الإعلان الليبي، وأكدت المصادر الأميركية «ان الولايات المتحدة سوف تتحدى بالقوة الدول التي تدعي ان مياهها الاقليمية تزيد على ثلاثة أميال.

والمياه الاقليمية – كما عرفتها الموسوعة السياسية – هي شقة تمتد على طول ساحل دولة ما. يبدأ قياس عرض هذه الشقة من خط التقاء الماء بالبحر، ويتراوح بين ثلاثة أميال بحرية و200 ميل، ولكن يعتبر بصورة عامة 12 ميلاً كما هو متفق عليه عالمياً، وتكون السيادة على هذه الشقة من المياه الاقليمية للدولة، وتشمل السيادة هذه المياه كلها، كما تشمل المجال الجوي فوقها. ولكن المرور البري عبر المياه الاقليمية يكون مباحاً وحراً بمقتضى اتفاق جنيف. بيد ان شرط المرور هذا قد ينطبق على الممرات التي تشبه قناة السويس أو قناة بنما، لكنه لا ينطبق على خليج سدرا، الذي لا يعتبر طريقاً مائياً يوصل من مكان إلى آخر.

ابتدأت الخلافات الأميركية – الليبية حول حقوق السيادة على خليج سدرا «سيرت» في أواخر شهر يوليو 1978 عندما قام الأسطول الأميركي السادس بمناورات قبالة السواحل الليبية، وإذا كان أي من الطرفين لم يعلن ما إذا كانت المناورات قد جرت داخل المياه الاقليمية الليبية أم لا، إلا ان ليبيا استنكرت إجراء تلك المناورات واعتبرتها تهديداً أميركياً لها وقتذاك، وأعلنت استعدادها للدفاع عن مياهها الاقليمية، وهو ما أبلغته وزارة الخارجية الليبية للقائم بالأعمال الأميركي في طرابلس.

***

(مركز المعلومات والدراسات في القبس)

______________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *