منى أبو مغصيب

نشرت مجلة “نيولاينز” الأمريكية مقال رأي، للكاتبة أماندا كادليك، عضوة لجنة خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الشأن الليبي سابقا، تحدثت فيه عن تحكم الدول الأعضاء الخمس التي تمتلك حق الفيتو في الأمم المتحدة في التعيينات والقرارات المتعلقة بالقضايا الحاسمة في العالم ومن ذلك الملف الليبي. 

وقالت الكاتبة، في مقالها الذي ترجمته “عربي21″، إن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خرق قواعد مجلس الأمن في كانون الأول/ ديسمبر عندما عيّن من جانب واحد الدبلوماسية الأمريكية السابقة ستيفاني ويليامز المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا.

يأتي هذا التعيين بعد أن اعترضت روسيا على قرار يقضي بتنصيب المفوّض البريطاني في الأمم المتحدة نيكولاس كاي. وفي الأسبوع الماضي، أوقفت روسيا  بالكامل أعمال بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لإجبار غوتيريش على تنحية وليامز وتنصيب مسؤول آخر شريطة أن لا يكون من هذه الدول الخمس. 

منذ الانتفاضة الشعبية في سنة 2011 ضد نظام معمر القذافي، احتدمت الخلافات بين الدول الأعضاء التي تملك حق النقض – الصين، وفرنسا، وروسيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة. والأهداف التنافسية بين هذه الدول تؤثر على كل قرار يتخذه مجلس الأمن في ما يتعلق بالملف الليبي.

عندما شنّ خليفة حفتر هجومه على طرابلس في 4 نيسان/ أبريل 2019، تقول الكاتبة بصفتها عضوة في لجنة تقصي الحقائق المستقلة المكلفة بالتحقيق في انتهاكات قرارات المجلس وحقوق الإنسان، إنها لاحظت الاعتراضات على أبسط أساليب الصياغة. فعلى سبيل المثال، “يعارض بشدة” مقارنة بـ “يعارض فقط” كانت من الأمور التي لا بد من البتّ فيها.   

مثل هذه الخلافات متوقعة لا سيما في ظل تضارب المصالح بين اللاعبين الرئيسيين في ليبيا. ولا شك أن الفوضى تعم هيئة الأمم المتحدة التي يشارك أعضاؤها في تأجيج الصراع في بلد كان من المفترض أن يساعدوه على ترسيخ الأمن والسلام. 

نفذ حفتر في نيسان/ أبريل 2019 هجوما على العاصمة تزامن مع زيارة غوتيريش لحضور مؤتمر سلام هناك.

وفي غضون أسبوع، حاولت المملكة المتحدة، التي كانت مسؤولة عن الملف الليبي آنذاك، توجيه رد موحد من مجلس الأمن على هجوم حفتر.

في البداية، لاقى القرار ترحيبًا واسعًا لكن الولايات المتحدة واجهت انتقاداتٍ وشكوكًا لطلبها مزيدًا من الوقت لحسم موقفها على الرغم من عدم معارضتها للقرار في حد ذاته. ومن جهتها، لم تعارض فرنسا القرار لكنها عرقلت تنفيذه. أما روسيا المشاركة فقد رفضت بشكل قاطع، لأن حفتر يمثل حليفاً لها. لم يتم التوصل لاتفاق رسمي، وبقي القرار مجرد مسودة. 

وأشارت الكاتبة إلى أن عدم وصول هذا القرار إلى مرحلة التصويت يُظهر مدى تعقيد العملية الدبلوماسية وآلية اتخاذ القرار، وكيف يمكن لعضو أو مجموعة من الأعضاء الذين يمتلكون سلطة القرار إحباط  قرارات تهدف إلى ردع عمل عدواني لتحقيق مصالحها الخاصة. 

لكل دولة مصالح إقليمية ودولية يكون لها صدى في أي موقف أو قرار تتخذه. وهذا ما يتجّلى بشكل خاص في الشأن الليبي، حيث تسعى الدول الخمس الكبرى لتحقيق مصالحها في ما يتعلق بالهجرة وموارد الطاقة والتجارة.

ونبّهت الكاتبة إلى أن أهداف وخبايا القرارات التي يتم الإجماع عليها لا تزال مجهولة. وأحد الأمثلة على ذلك قرار عام 2011 الذي يدعم تعزيز وجود قوات الناتو في ليبيا وقوبل برفض كل من الصين وروسيا ليتبين لاحقًا أنه يمثل تهديدا وشيكا، وذلك وفقًا لتحقيق برلماني بريطاني أجري سنة 2016.

وتحدّ هذه الخلافات من إمكانية التوصل إلى قرارات فعّالة في المفاوضات الرسمية، مثل المسودة التي دعت إلى وقف إطلاق النار ردًا على هجوم طرابلس في نيسان/ أبريل 2019، وبقيت حبرًا على ورق. 

بالنسبة إلى ليبيا، فإن المملكة المتحدة هي الوحيدة التي احتفظت بمهمة صياغة القرارات منذ سنة 2011 حتى وقت لاحق في سنة 2019 عندما طلبت ألمانيا، التي كانت في ذلك الوقت أيضًا رئيسة لجنة عقوبات ليبيا، لعب دور مشترك وحصلت على مرادها. وقد امتثل العضوان الدائمان الآخران، روسيا والصين، وبقية الأعضاء إلى هذا المعيار غير الرسمي.

وهذا يعني أن كل قرار صاغه مجلس الأمن – مع وجود استثناءات قليلة – كان من وجهة نظر ثلاثة أعضاء بالأساس وهم المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا. 

وتحتفظ مكتبة الأمم المتحدة على الإنترنت بسرد دقيق لكل مشروع قرار يتم اعتماده والتصويت عليه ومن السهل العثور على النسخ النهائية.

ولكن لا يوجد سجل عام لعملية التفاوض أو محتوى الخلافات والتغييرات. وعندما يستفسر المستخدم عن كيفية العثور على مسودات القرارات التي لم يقع تبينها، تكون الإجابة أن العثور عليها “أمر صعب للغاية”. 

وقد يجادل البعض بأنه من الضروري لكل دولة ممثلة في مجلس الأمن أن تُبقي المناقشات داخلية، وهو أمر منطقي للغاية.

وفي عالم تتزايد فيه الفوضى والعداء بين مراكز القوى العظمى التي تتمتع بحق النقض في مجلس الأمن، يُفكر الخصوم في المقام الأول في حماية وتعزيز مصالحهم الخاصة بطرق ضارة، بينما يلتف البعض حول القواعد العالمية من أجل تحقيقها.

وقد يفترض البعض الآخر أن الدول الحليفة التي لديها تحالفات طويلة الأمد لها الحق في التفاوض خارج نطاق عمليات الأمم المتحدة من أجل تلبية وحماية مصالح بعضها البعض بشكل أفضل في الساحة الدولية التنافسية.

هذه الحجج معقولة للغاية. والسياسة الداخلية لكل دولة من هذه الدول معقدة، ناهيك عن أن العمليات التنافسية الداخلية لوضع سياساتها الخارجية فوضوية بنفس القدر.

وهذا دون الأخذ في الحسبان العوامل متعددة الأبعاد في العلاقات الدولية، وضغوط تغير المناخ، والاضطرابات الاقتصادية والسياسية، والوباء والمظالم التاريخية.

لذلك، يعتقد بعض مسؤولي الأمم المتحدة أو الدول الأعضاء أنه من الأفضل أن تظل المفاوضات بعيدة عن الأنظار.

وترى الكاتبة أن القبول بذلك يدفعنا أيضًا إلى الاعتراف بأن عملية صياغة القرارات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تصبح أقل ارتباطًا بتحقيق الاستقرار في البلدان أو تنفيذ وقف إطلاق النار أو حماية المدنيين المعرضين للخطر في مناطق الصراع أو الحفاظ على السلام والاستقرار الدوليين، وأكثر تركيزًا على المناورات الدبلوماسية بين الدول. 

أدركت الكاتبة انطلاقا من تجربتها المباشرة أن قرارات الدول التي تترأس مجلس الأمن تؤثر بشكل مباشر على حياة البشر بطرق لا رجوع فيها.

وكانت مكلفة بتغطية الجزء الغربي من ليبيا، حيث تركز الجزء الأكبر من القتال في حرب 2019-2020، والكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان وحوادث العنف القائم على النوع الاجتماعي من خلال العمل الميداني وكسب ثقة الضحايا الذين تعرضوا للتعذيب أو الاغتصاب وأولئك الذين شهدوا مذابح أو الاختفاء القسري لذويهم؛ وذلك لتوثيق قصصهم وبناء قضايا موضوعية عن الجناة المحتملين. وعلى هذا النحو فإن الكاتبة استوعبت حجم الدمار الذي لحق بحياة الليبيين.

وبالنسبة إلى العديد من المراقبين الليبيين الذين علموا بمشروع القرار الذي تقوده المملكة المتحدة، كان الاتفاق بالإجماع على المضي في التصويت.

وكان بإمكان الأعضاء الخمسة الدائمين، الذين انتقدوا بالإجماع هجوم حفتر، تغيير تصوره وحساباته وربما أيضًا مسار الحرب، لكن ذلك لم يحدث.

واُلغيت الانتخابات الليبية وسط بيئة سياسية فوضوية وغير مستقرة، وكان وجود بعثة الأمم المتحدة ورقة مساومة بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وهو ما يشكك في مصداقيتها. 

وتُحذّر الكاتبة من أنه إذا أصبح التصويت للموافقة على إجراء روتيني، مثل تعيين ممثل خاص، أداةً سياسية لتأكيد الهيمنة الدولية فإن المتضررين من ذلك هم الليبيون في المقام الأول. وإذا كان مجلس الأمن قد ضل طريقه – وهو ما حدث بالتأكيد – فربما حان الوقت لمراجعة آلية عمل هذه المؤسسة الدولية.

_____________

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *