عبدالله الداسي

إن لغة المواطنة صفة صيغت بصيغة دالة على المطاوعة والمشاركة وهي مشتقة من اسم الفاعل ـ مواطن ـ والمشتق بدوره من الفعل الرباعي (واطن) المزيد من الثلاثي (وطن) أن قطن وآمن في مكان ما على بقعة من الأرض ـ البيت القرية والمدينة كل منهم وطن وربما عد المال وطنا في زمن الغربة ـ لكن المفهوم المعاصر للمواطنة يتعدى ذلك إلى القواسم الثقافية المشتركة بين شعب أو أمة تقطن في رقعة جغرافية لها حدود سياسية تسمى بلدا.

إن الدولة كظاهرة اجتماعية لا يمكن أن تنتج وتقود بناء مقوماتها وأسس نهضتها إلا على أساس مبدأ المواطنة والوطنية المجسدة للفاعلية الإنسانية التاريخية ذلك أن المواطنة تعتبر جوهر التفاعلات التي ينتجها المجتمع ومكونا أساسيا من مكونات الدولة بصيغتها المدنية المعبرة عن انصهار وتفاعل جميع تكويناتها الداخلية.

وعليه، فإن مبدأ المواطنة الذي تناولته مختلف المراجع والأدبيات السياسية والاجتماعية بأنه علاقة تبدأ بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من حقوق وواجبات في تلك الدولة ويندرج تحت هذا المفهوم الحرية وما يصاحبها من مسؤوليات وواجبات.

ولا يخفى على أن المواطنة تسبغ على المواطن حقوقا سياسية وأخرى قانونية واجتماعية واقتصادية وثقافية … الخ.

هذا ومع أنه يصعب تعريف ثابت لمبدأ المواطنة باعتباره مصطلحا سياسيا حيا ومتحركا في صيرورة تاريخية مستمرة إلا أنه يمكن إعطاء تعريف عام لمبدأ المواطنة ينحصر في: المشاركة الواعية والفاعلة لكل مواطن دون استثناء ودون وصاية من أي نوع في بناء الإطار الإجتماعي والسياسي والثقافي للدولة.

ومما يجدر ذكره أن المواطنة كما يراها المفكرون هي ثمرة نضال المحكومين لاستخلاص السلطة من أيد الحكام الغرباء عنهم وعن الوطن حيث اقترن مفهوم المواطنة أو يدل عليه من مصطلحات عبر التاريخ بإقرار المساواة للبعض أو للكثرة من المواطنين حسب توصيف (روبرت دال) غير أنه لا ينبغي حصر مبدأ المواطنة ضمن ذلك الإطار الضيق بل يمتد ليشمل أحقية المشاركة في النشاط الاقتصادي والتمتع بالثروات فضلا عن المشاركة في الحياة الاجتماعية كما تشمل المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات الجماعية الملزمة وتولي المناصب العامة فضلا عن المساواة أمام القانون بجميع صورها.

يتضح مما سبق أن هناك ركنين أساسيين يتعلقان بمدأ المواطنة هما:

ـ المشاركة في الحكم من جانب المساواة بين جميع المواطنين من الجانب الآخر والذي يعد المحك الأساسي للمواطنة. ولعل القاسم المشترك في الوقت الحاضر ـ المعبر عن وجود قناعة فكرية وقبول نفسي والتزام أساسي بمدأ المواطنة يتمثل في التوافق المجتمعي على عقد اجتماعي (الدستور) يتم بقمتضاه تضمين مبدأ المواطنة باعتباره مصدر الحقوق ومناط الواجبات بالنسبة لكل من يحمل جنسية الدولة دون تمييز عرقي أو طبقي أو عنصري ونحوه.

ومما يلاحظ أنه في خضم العلاقة الطردية التي تربط بين الدولة والمواطن تتبلور مبادئ أساسية تتعلق بمفهوم أو مبدأ المواطنة، ينبغي التأكيد عليها سعيا لتنمية هذا المفهوم أو المبدأ، ومن هذه المبادئ:

  1. ـ استخلاص حقوق الإنسان الدستورية له دينية كانت أم طبيعية أم تعددية التي ينبغي الإشارة إليها عند سن أي دستور.
  2. ـ يقتضي مبدأ المواطنة بأبعاده المختلفة ـ سياسيا ودستوريا وقانونيا وإداريا واقتصاديا ـ أن يركز منطق التعامل في الدولة والمجتمع على موجبات هذه المواطنة (أي المشاركة والمساواة).
  3. ـ تنمية وترسيخ ثقافة الوحدة الوطنية بين ميادين الشعب وفي عموم المجتمع.
  4. ـ المساواة لكل فئات المجتمع بغض النظر عن الجنس والفئة والإثنية أو الطائفية واحترام الرأي والرأي الآخر وقبول التنوع بجميع صوره.
  5. مراعاة الجوانب الاقتصادية والبيئية التي تمكن المواطن من التعبير عن رأيه ومصالحه بحرية ، إذ لا معنى لوجود حقوق قانونية وسياسية ما لم يتوافر الحد الأدنى من ضمانات ممارساتها على أرض الواقع مثل وجود التقارب النسبي في الداخل والثروة والمكانة الاجتماعية والمستوى التعليمي وتوفير فرص العمل والتعليم والرعاية الاجتماعية.

إن عدم وجود المواطنة الفاعلة في أي مجتمع سبب حقيقي في انتشار انتهاكات حقوق الانسان وانعدام حق القانون كما أنها سبب واضح لانتشار اللامبالاة وانعدام المسؤولية.

ومن المعلوم أن نشأة فكرة المواطنة كانت من أجل منع استبداد الدولة واعتدائها على حقوق المواطن غير القابلة للأخذ أو الاعتداء عليها من قبل الدولة سواء كانت هذه الحقوق مدنية تتعلق بالمساواة مع الآخرين أم حقوقا سياسية تتعلق بالمشاركة في اتخاذ القرار السياسي أم حقوقا جماعية ترتبط بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

حقوق المواطن وواجباته:

معظم الدساتير في تحديدها لحقوق المواطن ترجع إلى مواثيق حقوق الإنسان وأهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948م والتفصيل الوارد في العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادرين عن هيأة الأمم المتحدة عام 1966م. وقد حددت هاتان الوثيقتان حقوق الأفراد كما يلي:

  1. ـ حق الحياة وضوابط عقوبة الموت، وما يتناقض مع الحياة الكريمة كالتعذيب والاسترقاق والإكراه.
  2. ـ حق الحرية والسلامة الشخصية وما يتنافى معها من القبض والإيقاف التعسفي. وكذلك أحكام المحرومين من حريتهم الشخصية بسبب الإيقاف أو السجن.
  3. ـ حقوق الأجانب والمقيمين من غير المواطنين.
  4. ـ حقوق التقاضي وحقوق المتهم في إبلاغه فورا بالتهمة وإجراء محاكمته من غير تأخير وحقه في الدفاع عن نفسه أو بواسطة مساعدة قانونية يختارها هو.
  5. ـ حق حماية الفرد من التدخل التعسفي في خصوصياته.
  6. ـ حق الفكر والضمير والديانة وما يتناقض مع ذلك من الإكراه.
  7. ـ حق حرية التعبير والبحث عن المعلومات والأفكار والقيود التي يمكن أن تضعها الدولة على ذلك حماية لسمعة الأشخاص أو الأمن الوطني أو الصحة العام أو الأخلاق.
  8. ـ حق التجمع السلمي.
  9. ـ حقوق العائلة وضرورة حمايتها وحق الزواج وتكوين أسرة.
  10. ـ الحقوق السياسية وتشمل حق الانتخاب والمشاركة في الحياة العامة.
  11. ـ حقوق الأقليات من التمتع بثقافتهم وممارسة دينهم واستعمال لغتهم.
  12. ـ حق العمل.
  13. ـ حق تكوين النقابات والمشاركة فيها.
  14. ـ حقوق الأسرة والأمومة.
  15. ـ الحق في مستوى معيشة كريمة والحقوق الصحية والبدنية والعقليةز
  16. ـ الحقوق الثقافية وحق التعليم.

المواطنة والديمقراطية

لا يخفى أن هناك تلازما طرديا بين المواطنة والديمقراطية فالمواطنة كانتماء عضوي بالدولة لا تحي أن تتفعل دونما حاضن ديمقراطي لها يهبها الانتماء والاعتراف والتجذر فالعلاقة بين المواطنة والديمقراطية توأمة لاية تجارب تنتجها الجماعة السياسية المكونة للدولة.

وذلك لكون الدولة الديمقراطية تقوم على اساس الاعتراف بالإنسان وحقوقه الأساسية من كرامة وحرية وإرادة ، كما تقوم على أساس حق المواطن في التعبير عن رأيه والمشاركة في وضع القرار. وهي كذلك تلزم المواطن بأداء واجباته تجاه الدولة والمجتمع.

إن ما تشير إليه النقاط المذكورة أعلاه هو اعتبار الموازنة بين سلطات الدولة وحقوق المواطن أساسا للمجتمعات المتطورة، بحيث لو انعدمت حقوق المواطن أصبحت الدولة مستبدة، وتخلف بسبب ذلك المجتمع، كما أن المواطن المستبد لا يمكن أن يحمي الوطن ولا أن ينشر عدالة ولا حرية، وذلك لأن الاستبداد من طبعه، فيحمله ذلك على حصر جميع مكونات الدولة في شخصه ولا يخفي أن هذا المبدأ تحتاج إليه بلادنا اليوم خصوص في هذه المرحلة الانتقالية.

ومن أعظم المظاهر الدالة على البعد عن مبدأ المواطنة السجن والتنكيل والمطاردة لجميع الشرفاء من ابناء الوطن ممن حملوا ترسيخ هذا المبدأ الذي على أساسه يتحصل كل مواطن على حقوقه.

***

عبدالله الداسي ـ كاتب موريتاني

___________

المصدر: مجلة المواطنة الصادرة عن منتدى المواطنة للديمقراطية والتنمية البشرية. (العددان الأول والثاني ـ 2011)

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *