خلال إقامتي في اسبانيا، كنت أتابع وبشغف برنامجا أسبوعيا يعرض على قناة “مدريد” المحلية اسمه ” Madrileños en el mundo ” وترجمتها “مدريديون في العالم” ، كان ولا يزال حسب الاحصائيات من أكثر البرامج نجاحا.
يقوم البرنامج في كل حلقة بتقديم شخصية تنتمي بجذورها إلي مدينة مدريد، وانتقلت أو هاجرت هي أو أسرتها خارج أسبانيا, وحققت في بلد المهجر نجاحات اقتصادية او علمية او اجتماعية. واصفين إياهم بالسفراء الناجحين لإسبانيا في العالم. طبعا التكلفة عالية لإنتاج هذا النوع من البرامج، ولكنها لا تقاس بالعائد ومن اهمه ربط الصلة لهذه الخبرات، كل في مجاله، بالوطن ألام.
دبل شفرة!
تذكرت ذلك عندما قرأت ما كتبه الأستاذ حسن الامين، واصفًا لنا ما يطلقه الليبيون من أسماء على اشقائهم، من الذين اضطرتهم الظروف للعيش خارج أوطانهم، وحصولهم على جنسيات اخري فكتب يقول: [ اكثر ما يؤلمني هو وصفي بـ ”دبل شفرة“.. اعتقاد البعض بأن غربتي نعيم، وأن مهجري سياحة مترفة. وانا الذي ما ترك الوطن الا لأجله.. ولا قضيت يوما الا شوقا للرجوع اليه…ها هي الغربة تأكلني من جديد.. ولا أجد “شفرة” واحدة تقيني بردها القارس، تداوي آلامها المريرة بداخلي، تعالج نتائجها الكارثية بحياتي….”حسن الأمين”]
من المعروف أن اصطلاح “دبل شفرة” يعني هنا الازدواج في الولاء والتبعية، ولقد اطلقه الليبيون بعد حقبة فبراير ، وكان المقصود به تحديدًا مجموعة العائدين من الخارج، من الذين انخرطوا في الحياة السياسية، وصدموا الناس بمواقفهم، فأطلقوا عليهم هذا الاسم.
ولكن وللأسف تم تعميمه على كل مواطن يحمل جنسية اخري. ولقد علق عليه الكاتب الصحفي الأستاذ ابراهيم احميدان بقوله: [ وصف ” دبل شفرة “،وصف جارح وسخيف،ولا يختلف عن وصف عائدون،وصاد شين، وهذا أصوله تركية،مصطلحات وتعبيرات سخيفة تعكس حالة تخلف اجتماعي وجهل مريع وعلينا جميعا مقاومته.]
وهو بمعناه المقصود هنا لا ينطبق على الأستاذ حسن الأمين، فالرجل ليس بحاجة للتعريف فهو شخصية وطنية معروفة بمواقفها منذ سنوات طويلة، وشخصية صحفية مرموقة ومن اشهر الناشرين للمواقع الإعلامية واكثرها شهرةً وتميزًا، مثل ليبيا المستقبل والسقيفة الليبية.
لعنة النزوح والهجرة
أيها السادة، يبدوا أننا أكثر شعوب العالم من طالته لعنة الهجرة والنزوح، نتيجة الغزو الأجنبي والحاكم الظالم والقحط والمجاعة والحروب الاهلية. وفي كل قارات الدنيا هناك الكثير من الجاليات الليبية، اضطرتها ظروف العيش للانتقال خارج اوطانهم، واستقر بهم الحال وحصلوا بموجب القوانين السارية في تلك البلدان على حق المواطنة، ولكن تظل العلاقة مع الوطن ألأم قائمة وخاصة مع جيل الآباء ،وعلينا آن نعمل على استمرارها مع الاجيال المتعاقبة، وربطهم بالوطن ألأم ، لأن الكثير منهم خبرات نحن في أشد الحاجة اليها، واستقطابهم لن يتم بإهانتهم وتحقيرهم.
فكل دول العالم نظمت العلاقة بين الوطن الام ومواطنيها من المهاجرين، ومعظم الدول لديها وزارات خاصة بالهجرة ومواطنيها في الخارج. استعيدوا علاقاتكم بأبنائكم في الخارج فهم كنوز وثروة لا تقدر بثمن. وتذكروا أن الغربة تجربة مرة فرضتها الظروف، وليس هناك في الدنيا مكان أجمل ولا أعظم من الأوطان.
ورحم الله الشاعر والسياسي الأستاذ عبد الحميد البكوش رحمه الله، الذي عاش غريبا وظل يحلم بالعودة إلى حضن الوطن ألأم ولكنه مات غريبا، ودفن غريبا في ارض غريبة وهو القائل: