علي اللافي

1- أطروحات ودراسات وأبحاث كتبت حول عمق أواصر الاخوة التونسية/الليبية بل أن المعادلات السياسية الكبرى في كلا البلدين قد ارتبطت بمحرار العلاقة بالبلد الثاني:

سقط النظام البورقيبي بعد سنتين فقط من طرد القذافي للعمال التونسيين سنة 1985 (طبعا ولا يعني ذلك وجود عوامل رئيسية أخرى ورئيسية في سقوطه)…

تم سقوط نظام المخلوع “بن علي” بعد سنوات ثلاث من سحب وديعة ليبية كبرى من البنك المركزي التونسي (مضاف الى ذلك ترهل النظام وعدم شعبيته)…

الملك“ادريس السنوسي” سقط نظامه بعد سنة واحدة من عدم اخذه بنصيحة الرئيس التونسي الأسبق سنة 1968 بضرورة تأسيس حزب وطني كبير …

سقط نظام “القذافي” سنة 2011 عندما لم يفهم الرسائل والوضع الجيوسياسي الجديد الذي أحدثته الثورة التونسية وأساسا عندما ركب نظامه موجة الثورة المضادة في تونس…

منذ نهاية 2013 تحديدا أصبحت مواقف الأطراف الدولية والإقليمية هي محرار شبه كامل في مدى ودرجة ودية العلاقة بين السلطتين الحاكمتين فيتونس وليبيا، ومما لا شك يعرف البعض ما فعله رئيس الحكومة التونسية الأسبق “مهدي جمعة” (القريب سياسيا من الفرنسيين والاماراتيين)، حيث وتر هذا الأخير العلاقة مع الغرب الليبي ورغم تعديلات الرئيس الراحل “السبسي” والذي قلب المعادلة عبر استقباله يومها لـ”خليفةالغويل” وصولا لاستقباله لحفتر والتنبيه عليه بانه “لا اقصاء لأي طرف ليبي اذا أردت أن تكون في المعادلة”

 إثر عدم قدرة “حفتر” على دخول طرابلس وتهنئة رئيس البرلمان التونسي “راشد الغنوشي” قامت ممثلة الفاشية في تونس “عبير موسى” بالعربدة والعراك وتقديمها صحبة وظيفيين آخرين بلائحة لوم وهو موقف عبر خلاله سياسيين بالامتعاض من انتصار قوات الوفاق الليبية على قوات حفتر وطردها من مدن الساحل الغربي.

 منذ أكثر من خمس أشهر قام الرئيس الحالي “قيس سعيد” ببعض خطوات تقارب في اتجاه الاماراتيين والمصريين إقليميا، ولكنه بقي متحفظا ظاهرا على أي اصطفاف ظاهر في الملف الليبي وخاصة بعد مباشرة الحكومة الليبية الجديدة لمهامها بل أنه بادر بالقيام بأولى الزيارات لليبيا ولكن ذلك لم يمنع من ملاحظة المتابعين لوجود توتر صامت مع سياسيي المنطقة الغربية.

 مقال الحال يُحاول تفكيك ملابسات وغور اسرار زيارة “الدبيبة” الى تونس خاصة وأنه تم الإعلان عنها في الكواليس الإعلامية والسياسية وسبقتها تلميحات من “الدبيبة” نفسه، وهي تلميحات وُسمت بالاعتذار المبطن عما قد يكون فُهم سابقا في الاتجاه الخطأ بل وتم القول والتسريب أن الحدود ستفتح صبيحة 2 سبتمبر 2021.

نسقية الأحداث خلال الأسابيع الماضية والتي أدت لوقائع وأزمة الحال

البروتوكول الصحي استعمل في أكثر من مناسبة ومن الطرفين للتغطية على القيام بخطوات إدارية وسياسية لإغلاق الحدود وتأجيل الطيران بين البلدين وهي توجسات وتلبيس غَذَّته ووقفت وراءه أطراف إقليمية ودولية ولو عبر وظيفيين حتى أن وزير الداخلية الليبية السابق “فتحي بشاغا” قد سحب كل الاختام عندما اشترط التونسيون بعض شروط ادارية وصحية تخص الليبيين وقيل يومها أنها تلتبس بالتعسف والمماطلة على غرار القول بضرورة الحجر في النزل على كل ليبي زائر.

بتدخل الخيرين يومها من فاعلين ومجتمع مدني وترتيب مفاوضات مباشرة في العاصمة التونسية تم الوصول الى حلول وساهم جامعيين وباحثين ومختصين تونسيين في الشأن الليبي في تطوير العلاقات مجددا وتم عقد أكثر من ملتقى لرجال الاعمال بين شهري ابريل ويويليو الماضيين، وبدأت حركة الاستثمار بين البلدين وتنامت المعاملات التجارية بشكل مطرد وغير مسبوق وتزامنت تلك الخطوات مع بداية خطوات أولى لإعادة الاعمار والاستثمار في ليبيا.

 بالتوازي مع تلك الخطوات المحمودة كانت أطراف أخرى تتصيد الفرص وتبحث عن الفراغات عبر اللعب على التناقضات الداخلية في البلدين (محور “دبيبة” مقابل محور “عقيلة/حفتر” في ليبيا ومحور النهضة وحلفائها مقابل مناوئيها) وتم الارتكاز مجددا للبروتوكول الصحي وكورونا، بل وتم غلق المعبرين مجددا وتباينت المواقف في أكثر من ملف وصولا لقيام الرئيس “سعيد” بالإعلان عن اجراءاته الاستثنائية في تونس يوم 25 يوليو ووصولا لتمديدها في 22 أغسطس الماضي ومن البداية كان من الواضح أن الغرب الليبي في مجمله غير مرتاح لما جرى في تونس ولكن الحكومة الليبية التزمت الصمت والحياد مقابل ابتهاج الشرق الليبي ( بالمعنى السياسي ) ولكن الموقف كان معلنا وصريحا وروج له إعلاميا.

قراءة أولية في سبب الغاء الزيارة الأولى

أولا، التوتر حصل في العاصمة طرابلس مع السلطات في تونس عشية الإعلان عن وجود روايات تونسية إعلاميا بان هناك فيلق من الإرهابيين في قاعدة الوطية وبغض النظر عن شبه تحفظ رسمي للرئاسة التونسية عن تلك الروايات وعدم تبينها، الا أن أبواق المحور المصري/الاماراتي في تونس رَوَّجت ودفعت للتوتير وبث الاشاعات بشأن ليبيا وحكومتها وتم ذلك عبر أكثر من قناة تونسية بما في ذلك عبر القناة الرسمية التونسية (وان عبر جامعيين ومحللين محسوبين وقريبين من المحور الاماراتي) قبل أن يتدخل وزير الخارجية التونسية في نفس القناة من الغد وينفي وبشكل كلي كل تلك الروايات وبمهنية وصفها المتابعون بالعالية.

ثانيا، في خطوة ودية تم ارسال وفد ليبي يضم الداخلية والخارجية لتلطيف الأجواء وحل الإشكالات والاتفاق على خطوات فتح الحدود من جديد ومع استبشار العديدين كانت الخطوات والتوظيفات إقليميا تذهب في الاتجاه المعاكس وتعد لما هو أسوأ.

ثالثا، وعوض ان يقوم “الدبيبة” بالدفع أكثر نحو البعد الودي، دافع عن حكومته وقواته الأمنية – وذلك حقهبل وأطنب في الحديث عن جذور الظاهرة الإرهابية في ليبيا، ورغم قوله للحقيقة الا أنه اتصاليا اختار الوقت الخطأ بل والعبارات الخطأ، ولكن في الأخير قام بعمليات مراجعة عبر تغريدة على التويتر بالتوازي مع بدأ أشغال اليوم الأول لملتقى دول الجوار الليبي في الجزائر وهنا استطاع وزير الخارجية التونسي أن يكون في مستوى اللحظة فهو فقد عدل التصريحات ووضَّح الأمور عبر جدل راق بينه وبين وزيرة الخارجية الليبية.

الى هذا الحد اعتقد البعض أن الأمور قد عادت الى نصابها وان أرض الاخوة وعُمق الأواصر قد انتصرت وخاصة عندما تم تسريب خبر زيارة “الدبيبة” الى تونس والتي بُرمجت ليوم واحد ونشر التونسيون بكثافة غير معهودة تغريدة “الدبيبة”المشار اليها سابقابل وتم القول ان ليبيا ستمنح تونس مبلغا قدره2 مليون دولار لمعالجة عجز ماليتها العمومية.

ولكن نسي أولئك أن مربعات السياسة في تونس وفي ليبيا لا زالت مثار صراع إقليمي رغم تغير المعادلات، وبالتالي وهو ثابت بالمؤكد أنه يومها لم يهدأ الهاتف لا في مقر الحكومة الليبية في طرابلس ولا في قصر قرطاج ولا بين مُشغلي الوظيفيين والوكلاء في عواصم عربية وبين منظوريهم التنفيذيين من أجل عرقلة أي خطوات أخرى بين التونسيين والليبيين وكأن أولئك الوظيفيين يقولون ما قاله أحد المرتزقة أمام مقر أحد الأحزاب في تونس عشية 25 يوليو الماضي “لو ما نرحقوش ما يخلصوناش”، ومرمى القياس ان هناك وظيفيين يقبضون مبالغ طائلة لإفساد علاقات الرسميين التونسيين بنظرائهم الليبيين والصح دول شرق أوسطية وخليجية بعينها .

الثابت أيضا أن بعض حاقدين على الثورتين التونسية والليبية كان يرتبون لفشل التقارب كما أن اجتماعات عُقدت بين العاصمة و”قفصة” و”جربة” ومدن أخرى وعبر مكالمات عدة مع فاعلين في “طبرق” و”بنغازي” و”طرابلس” و”دبي” و”القاهرة” وأن الغاية الوحيدة هو أن لا يُزهر أي ربيع قادم لا في تونس ولا في طرابلس ولا أيضا في مدن الشرق الليبي ولا في “سبها” ولا في صحراء ليبيا الممتدة.

والهدف الأول والأخير هو ان لا تذهب خيرات وثروات “غدامس”و”نالوت” و”غريان” وقريبا من “مطار سارة” ولا يستفيد منها لا التونسيين ولا أي من دول الجوار بل ان تستفيد منها عواصم أخرى وشركات دولية ولا يبقى منها للليبيين والتونسيين الا الفتات، وحتى تسهل المهمة الأخطر والقادمة وهي استهداف دولة الجزائر

الهدف غير المعلن تم بمكالمات بين عواصم عربية ومدن تونسية وليبية عبر أوامر لتنزيل سياسات ومخططات ليبقى إقرار دفع العمليتين السياسية في تونس وليبيا خلال الأسابيع والاشهر القادمة بيد أذرع اقليمية وعواصم غربية فتتحكم في النهايات والمخططات وليقع اكمال مخططات واستراتيجيات وضعت منذ عقود أما الليبيين والتونسيين فسيبقون نسيا منسيا أو حتى اشعار آخر.

هكذا يُراد تلغيم العلاقة بين البلدين ولهذا لن تتطور الاحداث للأسوأ

مشروع التلغيم وبغض النظر عن هوية واضعيه ومنفذيه ممن يعتقدون أنفسهم يصنعون التاريخ – بينما هم ليسوا سوى محطات وأدوات وظيفيةهو الذي ألغى فعليا زيارة “دبيبة” لتونس ومن إيقاف خطوات تفعيل وتجديد للعلاقة بين التونسيين والليبيين.

الثابت وأن الإلغاء وبغض النظر عن تحديد المتسبب فيه، وحتى أن لم يُملى املاء على هذا الطرف أو ذاك، فانه تم وفقا لحساب قوى دولية وإقليمية ولم ولن تكن لصالح التونسيين والليبيين لان مصيرهما واحد مهما تعاقب الحكام والحكومات والفاعلين .

 ستتطور الأحداث والفعل السياسي في تونس وفي ليبيا أيضا وما هي الا أسابيع وأشهر وسيندحر الوظيفيين لأنهم من الأصل مؤقتين وستتظافر العوامل في البلدين وفي الإقليم ودوليا لتتجدد عمليات فتح الحدود والقلوب والمشاريع المشتركة بين البلدين وإن الصبح لقريب وأقرب مما يعتقد رافع الطبيب وآخرين وأمثاله من الوظيفيين، فنحن شعب واحد في بلدين ولن يفصل بيننا لا وظيفيين ولا دول أسَّست بداية السبعينات.

***

علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي

_________

المغاربي للدراسات والتحاليل

مقالات مشابهة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *