عبد المجيد بيوك
لا شك أن الحملة ضد مزدوجي الجنسية تستهدف المواطنين الليبيين المقيمين في الخارج وخاصة المعارضين الذين تحصلوا على الجنسية الثانية عبر اللجوء السياسي هروبا من ظلم القذافي ووحشية الأجهزة الأمنية واللجان الثورية.
منذ بداية السبعينيات من الألفية السابقة تم ابتعاث عشرات الألاف من الطلبة الليبيين إلى الخارج، منهم من استقروا بالخارج بعد تخرجهم وبدأوا مسيرتهم الوظيفية وتحصلوا عبرها على جنسياتهم الثانية، ومنهم الكثير ممن انظموا للمعارضة الوطنية في الخارج وتحصلوا على اللجوء السياسي ومن بعده الجنسية الثانية، والبعض تحصل على جنسيته الثانية عن طريق الزواج من مواطنة أصلية أو متجنسة في بلد التجنس.
هؤلاء أنجبوا أبناء وبناتا .. وهؤلاء بدورهم أنجبوا أيضا، وكلهم ليبيون لأن الجنسية تمرر بين الأجيال بالوراثة عبر جنسية الأب.
عندما اندلعت أحداث ثورة 17 فبراير، رجع الكثير من هؤلاء الأباء والأبناء إلى الوطن للمشاركة في أحداث الثورة وإسقاط القذافي وإقامة البديل، ولكن منهم من عاد إلى بلاد إقامته مباشرة بعد تحرير طرابلس والقضاء على الدكتاتور، واختار آخرون البقاء للمشاركة في بناء الدولة وفي كل المراحل الإنتقالية سواء في المؤسسات التأسيسية (المجلس الوطني الإنتقالي) والتشريعية (المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب) والتنفيذية (المكتب التنفيذي والوزارات المتعاقبة) والهيئات المختلفة (هيئة صياغة الدستور وهيئة النزاهة، وغيرها من الهيئات الرقابية والمجالس المحلية) .
***
بدأت حملة العزل السياس التي استهدفت مزدوجي الجنسية، بعزل الدكتور علي الترهوني من رئاسة وعضوية الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور بعد أن سُمح له بالترشح في انتخابات 2013 لعضوية الهيئة، ولم يُخطَر بعدم توفر الشروط لترشحه للهيئة حيث نصت المادة (12) من قانون رقم (17) لسنة 2013م بشأن انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، أن المفوضية إذا تبين لها أن أيا من المرشحين لم تتوافر فيه الشروط المنصوص عليها في القانون ستقوم باستبعاده وإخطاره بذلك، وبالوسائل التي تحددها خلال أسبوع من انتهاء تقديم طلبات الترشح، وهكذا ترشح الدكتور ولم يُبلّغ من المفوضية بأنه مستبعد لأنه مخالف لشروط الترشح، فخاض الدكتور الإنتخابات ونجح في الدائرة الإنتخابية التي ترشح بها.
الطعن جاء من حقوقي لأسباب سياسية
المفارقة أن الذي تقدم بالطعن هو المحامي ضو المنصوري مسعود عون بصفته عضو الهيئة، ومعه سيدتين الأولى مواطنة ليبية مقيمة في البيضاء، والأخرى معلمة ليبية مقيمة في البيضاء، وليس هناك ما يفيد بعضويتهن في الهيئة.
كان تاريخ الطعن في فبراير 2016 (أكثر من عامين كاملين بعد تأسيس الهيئة وبعد انتهاء مدتها القانونية) وجاء نص الطعن في كون “الدكتور علي الترهوني عقد عدة مؤتمرات، أقر فيها بأنه يحمل جنسية أمريكية، بل أنه يفتخر بهذا الإنتماء، في حين أن القانون الليبي بشأن أحكام الجنسية (المقصود هنا قانون القذافي في 2010) ينص صراحة على فقدان الجنسية الليبية لأي ليبي يتجنس بجنسية أجنبية دون إذن وزارة الداخلة (اللجنة الشعبية للأمن العام حسب نص المادة) بالإضافة إلى أن المطعون ضده متزوج بأجنبية مما يعد شرطا آخر يمنعه من التوظّف في ليبيا .
أفادنا نص الحكم في قضية علي الترهوني بسطحية محتوى الطعن فالنص يقول: إن قرار اعتماد ترشح المطعون ضده كعضو للهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، وكذلك قرار اختياره رئيسا للهيئة، يعدان قرارين معدومين لمخالفتهما للدستور والقانون (ولم يوضح النص أي دستور يقصد حيث أن ليبيا ليس لها دستور منذ انقلاب القذافي والإعلان الدستوري ليس فيه نص بهذا المعنى) ولكن الأمر فيه جانب سياسي وربما شخصي لأن الهيئة بها غيره من مزدوجي الجنسية الذين لم يطعن المنصوري في عضويتهم!!)
وأضاف الطاعنون بصحيفة طعنهم ما وصفوه بالأسانيد القانونية للطعن، وأشاروا إلى أن المادتين 8 و 9 من القانون رقم 17 لسنة 2013 قد اشترطتا الجنسية الليبية لعضوية الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور (والحقيقة الواضحه للعيان أن الدكتور الترهوني مواطن ليبي ولديه جنسية ليبية كما لديه جنسية ثانية وهنا بيت الداء)، وكذلك اشترطتا عدم زواج عضو الهيئة المذكورة بأجنبية، (ولم نجد في نص القانون المذكور أي إشارة لشرط عدم الزواج من أجنبية، كما أنه يمكن لأي واحد منا أن يعدد الكثير من متقلدي المناصب السيادية المتزوجين من أجنبيات )
أصر الطاعنون بأنه لما كان المطعون ضده يحمل الجنسية الأمريكية فإنه يعد فاقدا للجنسية الليبية، (إذن هذا الحقوقي قدم طعنه بناء على أن من لديه جنسية أخرى يعد فاقدا للجنسية الليبية أوتوماتيكيا)، وبالتالي أصبحا القرارين المطعون فيهما معدومين.
ما زاد الطين بله قول الطاعنون غير المنطقي أن وجود أمريكي الجنسية في رئاسة الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور سوف يلحق الضرر الجسيم بالطاعنين وبكافة الليبيين (إصرار على وصفه هكذا بدل أن يكون ليبي ولديه جنسية أمريكية) وهذا ضرر لا يمكن تداركه إلا بوقف القرارين المطعون فيهما. (فما هو الضرر الجسيم الذي يسببه وجود شخص ليبي من مزدوجي الجنسية في الهيئة لكافة الليبيين؟ (ألم يكن هناك ضرر للطاعنين ولليبيين من وجود عشرات الليبيين من مزدوجي الجنسية الذين تقلدوا أو يتقلدون المناصب العليا في الدولة.
***
مواد قانونية متعلقة بالجنسية وليس بها نص واحد عن مزدوجي الجنسية
أولا: الإعلان الدستوري
مادة (6): الليبيون سواء أمام القانون، ومتساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وفي تكافؤ الفرص، وفيما عليهم من الواجبات والمسؤوليات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدًّين أو المذهب أو اللغة أو الثروة أو الجنس أو النسب أو الأراء السياسية أو الوضع الاجتماعي أو الإنتماء القبلي أو الجهوي أو الأسرى.
مادة (7): تصون الدولة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتسعى إلى الإنضمام للإعلانات والمواثيق الدولية والإقليمية التي تحمي هذه الحقوق والحريات، وتعمل على إصدار مواثيق جديدة تكرم الإنسان كخليفة الله في الأرض.
مادة (34): تلغى الوثائق والقوانين ذات الطبيعة الدستورية المعمول بها قبل العمل بهذا الإعلان.
ثانيا قوانين الإنتخابات
ـ قانون رقم (10) لسنة 2014م بشأن إنتخاب مجلس النواب في المرحلة الإنتقالية
المادة (5): يشترط فيمن يمارس حق الانتخاب: 1- أن يكون ليبي الجنسية متمتعا بالأهلية القانونية
المادة (6): إضافة إلى الشروط المقررة في الناخب يشترط فيمن يترشح لانتخابات مجلس النواب: 5- أن تتوافر فيه معايير تولي المناصب العامة طبقا للتشريعات النافذة.
ـ قانون رقم (17) لسنة 2013م بشأن انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور
مادة (8): 1- أن يكون ليبي الجنسية بالغا سن الثامنة عشرة ميلادية يوم التسجيل متمتعا بالأهلية القانونية الكاملة.
مادة (9): إضافة إلى الشروط الواجب توافرها في الناخب يشترط فيمن يترشح لانتخابات الهيئة ما يلي-: 7- أن تتوفر فيه معايير تولي المناصب العامة طبقا للقانون السياسي والإداري.
ـ قانون رقم (13) لسنة 2013م في شأن العزل السياسي والإداري.
مادة (5): يشترط في من يسمى لعضوية (هيئة تطبيق معايير تولي المناصب العامة) الشروط الآتية: 1ـ أن يكون ليبي الجنسية.
ـ قانون رقم (52) لسنة 2012م بشأن وضع ضوابط تقلد بعض الوظائف
مادة (2): يشترط لتولي الوظائف المذكورة في المادة السابقة ما يلي بالإضافة لشروط التعيين في الوظيفة العامة: نقطة 4: أن لا يكون حاملاُ لجنسية الدولة المراد الإيفاد إليها.
ـ قانون رقم (4) لسنة 2012م بشأن انتخاب المؤتمر الوطني العام
مادة (10) إضافة إلى الشروط الواجب توفرها في الناخب يشترط فيمن يترشح لانتخابات المؤتمر الوطني العام، الآتي: 1- أن يكون ليبي الجنسية وفقاً لأحكام القانون رقم ( 24) لسنة 2010 م بشأن أحكام الجنسية الليبية.
***
من المفارقات أيضا أن ما يعرف بالوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان (1988) تنص في النقطة الرابعة على أن ” المواطنة في المجتمع الجماهيرى حق مقدس لا يجوز إسقاطها أو سحبها“ وهذا النص لم يكن في ذهن القذافي عندما وضع المادة المتعلقة بمزدوجي الجنسية في قانونه رقم 24 لسنة 2010م لأن الأمر ليس له علاقة بالحقوق المقدسة بل هو محاولة لإقصاء المعارضين السياسيين في ذلك الوقت ونزع الهوية الليبية عنهم، ورغم ما قدمه هؤلاء المناضلون لوطنهم فما زال هناك من يسعى لإقصائهم عن المشاركة السياسية وعن وطنهم بالكامل
إذن المسألة ليست في الأضرار التي تقع على الليبيين بسبب وجود مزدوجي الجنسية في المواقع التشريعية والتنفيذية وغيرها إنما الأمر كله يعود إلى قانون فاسد غير شرعي كان ينبغي على ثورة فبراير أن تلغيه وهو قانون القذافي بشأن الجنسية سئ السمعة. وهذا هو الأداة التي ستوظف لعزل مزدوجي الجنسية عن الحياة السياسية وعن الوطن بالكامل أذا ما سكتنا عن هذه العبثية في الصراع السياسي.
________________
ГЂs 2 2 13 21 27, AnГіnimo disse buy mifepristone and misoprostol online