بعد عشر سنوات من سقوط نظام القذافي، لا تزال الحرب الأهلية الليبية التي تلت ذلك بعيدة عن الحل.

لكن إذا كان هناك ما يدعو للأمل، فهو أن الهجوم الذي استمر لمدة عام على العاصمة طرابلس من قبل قوات المشير خليفة حفتر قد انتهى بانسحاب تلك القوات في حزيران/يونيو 2020.

دفع تراجع حفتر إلى إعادة ترتيب العوامل التي تشير إلى إمكانية التوصل إلى تسوية سلمية. ففي أيلول/سبتمبر، رفع المشير وحلفاؤه حظراً على تصدير النفط دام تسعة أشهر، مما وفر تحسناً مؤقتاً لاقتصاد البلاد المعتمد على النفط.

من ثم، وفي تشرين الأول/أكتوبر، وقّع ضباط من التحالفين العسكريين الرئيسيين اتفاقاً لوقف إطلاق النار. بعد ذلك، في تشرين الثاني/نوفمبر، بدأ سياسيون من الجانبين المتنافسين حواراً تحت رعاية الأمم المتحدة.

وفي الوقت الذي كان فيه الداعمون الخارجيون للفصائل المتحاربة في ليبيا لا يزالون يعملون على ترسيخ نفوذهم في البلاد، فإنهم خففوا من حدة خطابهم العدواني.

إلا أن ثمة الكثير مما يدعو للقلق. فتنفيذ شروط وقف إطلاق النار بطيء، حيث يتهم كل طرف الطرف الآخر بمواصلة تلقي الدعم العسكري الأجنبي. في مثل هذه البيئة المضطربة، قد يؤدي أي حادث مؤسف مثل تحريك أحد الأطراف للأسلحة، وتفسير الجانب الآخر للنشاط على أنه تعبئة لشن هجوم إلى تجدد القتال.

سبب آخر للقلق هو أن المحادثات السياسية التي تدعمها الأمم المتحدة، ويساعد الاتحاد الأوروبي في تمويلها، والتي تجمع 75 ممثلاً من طيف واسع من الجماعات السياسية والقبلية، لم تسفر حتى الآن عن أي توافق في الآراء بشأن حكومة وحدة وطنية مؤقتة جديدة.

اتفقت الفصائل المختلفة على آلية تصويت لتعيين كبار المسؤولين؛ لكن بينما يكثر الدعم اللفظي لإجراء عملية تصويت شفافة، ما زالت تلك الفصائل منقسمة بشكل خطير حول من تريد رؤيته يقود البلاد. علاوة على ذلك، فإن الجميع لديهم الوسائل اللازمة لإفساد العملية.

على الصعيد الاقتصادي، وعلى الرغم من استئناف صادرات النفط والغاز، أدى الخلاف حول إدارة عائداتها إلى تجميد مؤقت للدخل المتأتي منها، مما أعاق التعافي الاقتصادي.

سيكون الحفاظ على عملية السلام على المسار الصحيح معركة شاقة تتطلب مضاعفة الجهود من قبل الأطراف المعنية الخارجية الحريصة على رؤية نهاية للصراع في ليبيا.

فالأحداث مدفوعة بشكل متزايد من قبل اللاعبين الخارجيين الذين يقدمون المساعدات العسكرية إلى هذا الطرف الليبي أو ذاك، ولا سيما تركيا، الداعم الرئيسي للحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، وروسيا، الحليف الرئيسي للتحالف الذي يقوده حفتر.

الدول العربية المتنافسة التي ساعدت لسنوات على تحويل ليبيا إلى ساحة معركة بالوكالة لا تزال تتابع أجنداتها أيضاً، ولكن في الوقت الحالي بوسائل غير عسكرية. قد يكون لتخفيف حدة الأزمة الخليجية، بمرور الوقت، تأثير إيجابي في ليبيا. ولا يزال بإمكان أوروبا، بصفتها طرفاً معنياً بإحلال السلام، أن تفعل الكثير لتحقيق هذا الهدف، على الرغم من نفوذها المتضائل.

يتعين على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه تكثيف جهودهم على النحو الآتي:

دعم إنشاء آلية مراقبة وقف إطلاق النار في ليبيا، والتي تفاوض عليها ضباط عسكريون ليبيون من كلا الجانبين ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أعضاء مجلس الأمن إلى اعتمادها؛ ونشر مراقبين في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من الدول الأوروبية المقبولة من قبل الأطراف الليبية.

تمديد ولاية عملية إيريني البحرية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي حتى تتمكن من المساعدة في دعم مراقبة وقف إطلاق النار. على الرغم من عدم قدرتها، لأسباب قانونية ولوجستية، على منع نقل الأسلحة إلى ليبيا، إلا أن السفن والأقمار الصناعية التابعة للعملية تساعد في مراقبة تدفق الأسلحة إلى البلاد في انتهاك لحظر الأمم المتحدة، وفي ردع بعض عمليات نقلها. ويمكن للعملية أن تدعم أيضاً عمل آلية مراقبة وقف إطلاق النار من خلال تزويد مراقبي الأمم المتحدة بمعلومات حول الانتهاكات والتحركات العسكرية المشتبه بها.

دعم الجهود للتوصل إلى توافق بين الأطراف الليبية على ضرورة إجراء انتخابات برلمانية إذا لم يتوصل المندوبون في الحوار السياسي إلى اتفاق على حكومة مؤقتة. وينبغي على أوروبا أيضاً توفير الأموال والدعم الفني للمؤسسات التي سيكون عليها ضمان أن تكون الانتخابات ذات مصداقية وشاملة للجميع، بما في ذلك النساء.

دعم الحوار الاقتصادي الليبي الذي تقوده الأمم المتحدة ومواصلة التواصل مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لإيجاد تسوية دائمة للنزاعات الاقتصادية والمصرفية، لا سيما فيما يتعلق بتوزيع عائدات النفط، التي لا تزال تعيق التعافي الاقتصادي.

تعزيز ثبات وقف إطلاق نار هش

في 23 تشرين الأول/أكتوبر، وقّع الجيش الوطني الليبي الذي يقوده حفتر وتدعمه كل من مصر والإمارات العربية المتحدة وروسيا وحكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا، برئاسة رئيس الوزراء فايز السراج، اتفاقاً لوقف إطلاق النار أنهى رسمياً معركة كانت مستعرة في ضواحي طرابلس وأماكن أخرى منذ نيسان/أبريل 2019.

وأسفر القتال عن مقتل نحو 3,000 شخص وتشريد مئات الآلاف. وأدى التدخل العسكري التركي المباشر لمساعدة السراج في أوائل عام 2020 إلى عكس ما كان يتمتع به حفتر من مزايا وفرض انسحاب قوات حفتر إلى وسط ليبيا على طول خط جبهة جديد.

شكّل وقف إطلاق النار خطوة مهمة نحو المحادثات السياسية، لكنه لا يزال هشاً، حيث تتعثر الجهود المبذولة للتنفيذ الكامل للعديد من أحكامه. التزم حفتر والسراج بسحب قواتهما من الخطوط الأمامية وطرد المقاتلين الأجانب وإنهاء جميع التدريبات العسكرية الأجنبية.

ومع ذلك، تراجع كلا الجانبين عن الاتفاق الأصلي. ولا تزال قواتهما منتشرة على الخطوط الأمامية؛ وتواصل طائرات الشحن العسكرية الأجنبية الهبوط في قواعدهما الجوية، مما يشير إلى أن الداعمين الخارجيين يستأنفون إمداد حلفائهم؛ والضباط الأتراك يدربون قوات حكومة الوفاق الوطني على مرأى من الجميع؛ ولا يزال المتعاقدون العسكريون الروس الخاصون جزءاً من قوات حفتر.

من أجل تعزيز وقف إطلاق النار والضغط على الأطراف للوفاء بالتزاماتها، تدعم الأمم المتحدة آلية مراقبة وقف إطلاق النار التي سيتم إنشاؤها في وسط ليبيا، حيث تواصل حكومة الوفاق الوطني وتحالف حفتر نشر قواتهما. طلبت الفصائل المتناحرة في ليبيا الآلية، ويناقش مسؤولو الأمم المتحدة ما سيترتب عليها.

يبدو أن الضباط الليبيين من كلا الجانبين قد أعطوا الضوء الأخضر لنشر مجموعة صغيرة من المدنيين الدوليين غير المسلحين تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، على حد تعبير تقرير الأمم المتحدة ذي الصلة، للعمل جنباً إلى جنب مع فرق المراقبة التي أنشأها كلا الجانبين.

ينبغي على الاتحاد الأوروبي دعم هذا الجهد. وينبغي أن يدفع الأمم المتحدة والمفاوضين العسكريين الليبيين للتفاوض على نسخة محدثة من اتفاق تشرين الأول/أكتوبر لوقف إطلاق النار تعكس إجماعاً أكثر تفصيلاً حول النقاط المثيرة للجدل، مثل رحيل المقاتلين الأجانب وإعادة تموضع الجماعات المسلحة، التي أشار إليها الاتفاق الأصلي فقط بعبارات غامضة، والضغط من أجل الحصول على دعم كامل من مجلس الأمن الدولي لذلك الاتفاق الجديد.

كما ينبغي أن يدعم آلية مراقبة قابلة للتوسيع قدمها الأمين العام للأمم المتحدة إلى أعضاء المجلس في كانون الأول/ديسمبر 2020. ويتعين على الحكومات الأوروبية النظر في توفير مراقبين من تلك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تشير الأطراف الليبية إلى أنها لن تعترض عليها، ليتم نشرهم في إطار بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وهو الإطار الوحيد الذي يقبله الطرفان.

يمكن للاتحاد الأوروبي تقديم دعم إضافي لمراقبة وقف إطلاق النار من خلال توسيع نطاق تفويض عمليته البحرية إيريني للإبلاغ عن أي تحرك للقوات قد يهدد وقف إطلاق النار وإبلاغ مراقبي الأمم المتحدة وفقاً لذلك، بالإضافة إلى الإبلاغ عن الانتهاكات المكتشفة لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.

نحو إعادة توحيد الحكم

يمكن للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه المساعدة أيضاً في حل أزمة الحكم في ليبيا. للقيام بذلك، سوف يحتاجون إلى اتخاذ قرارات صعبة، وربما غير متوقعة.

تواجه الدول الأوروبية والدول الأخرى معضلة: هل ينبغي لها الاستمرار في دعم الحوار المتعثر الذي تقوده الأمم المتحدة بهدف تسمية حكومة وحدة وطنية مؤقتة من شأنها أن تمهد الطريق لإجراء انتخابات في نهاية عام 2021؟ أو، إذا لم يتم تحقيق تقدم في الأسابيع المقبلة، هل ينبغي بدلاً من ذلك الموافقة على الدعوات لإجراء انتخابات والتوقف عن انتظار قيام الليبيين بتشكيل حكومة مؤقتة؟

تبدو فرص الاتفاق على حكومة مؤقتة ضئيلة للغاية. ومن غير المرجح أن يؤدي التهديد بفرض عقوبات مستهدفة من جانب الاتحاد الأوروبي، والذي يبدو أن بعض المسؤولين الأوروبيين يفكرون فيه، إلى زيادة احتمالات الاتفاق.

منذ تشرين الثاني/نوفمبر، يجتمع المندوبون الـ 75، الذين يمثلون المجلسين المتنافسين في ليبيا بالإضافة إلى العديد من المستقلين الذين اختارتهم الأمم المتحدة، بشكل شخصي وعبر الإنترنت.

واتفقوا بشكل عام على الحاجة إلى مجلس رئاسي جديد يتكون من ثلاثة أشخاص ليحل محل المجلس الذي يرأسه السراج وإلى رئيس وزراء منفصل. كما وافقوا على آلية تصويت لاختيار هؤلاء المسؤولين الكبار. لكن على الرغم من هذا التقدم الظاهري، لا تزال الفصائل المتنافسة العديدة في ليبيا منقسمة بشدة حول من تريد رؤيته يقود البلاد. ويمكن لأي معسكر أن يثير الخلافات بسهولة أو يفسد التصويت لمنع نتيجة يرى أنها لا تنسجم مع مصالحه.

وفيما يتعلق بالانتخابات، نجح الموفدون إلى الحوار السياسي المدعوم من الأمم المتحدة في تحديد موعد للانتخابات، لكنهم فشلوا حتى الآن في اتخاذ قرار بشأن أي شيء آخر. إذا أخفقت الهيئات التشريعية المتنافسة في ليبيا في صياغة إطار قانوني للانتخابات بحلول أواخر شباط/فبراير – وما من مؤشر يذكر على أنها ستكون قادرة على ذلك فمن المفترض أن يتولى المندوبون الخمسة والسبعون زمام الأمور.

لكن المندوبين ما زالوا منقسمين حول ما يعتبرونه أفضل خارطة طريق انتخابية، وما إذا كان ينبغي أن تكون الانتخابات برلمانية فقط أو رئاسية أيضاً، وما إذا كان من المطلوب أيضاً إجراء استفتاء على مسودة الدستور.

في ظل هذه الظروف، فإن أفضل ما يمكن لأوروبا أن تفعله هو

1) تشجيع الليبيين على إجراء انتخابات برلمانية فقط في كانون الأول/ديسمبر 2021، حتى لو فشل الحوار المدعوم من الأمم المتحدة في التوصل إلى اتفاق بشأن حكومة وحدة وطنية مؤقتة؛

2) حث المندوبين الخمسة والسبعين على الاتفاق على إطار قانوني للانتخابات في أقرب وقت ممكن، إذا أخفقت الهيئتان التشريعيتان المتنافستان في ليبيا في إصدار مثل ذلك الإطار بحلول أواخر شباط/فبراير.

يتعين على الاتحاد الأوروبي والعواصم الأوروبية التعبير عن الدعم الذي لا لبس فيه لمسار العمل هذا وحث القوى الأخرى، ولا سيما مصر وتركيا، على قبول نتيجة الانتخابات. من الواضح أن إجراء انتخابات في بلد شديد الاستقطاب أمر محفوف بالمخاطر حيث يسيطر أحد المعسكرين على الغرب والآخر على الشرق حيث تكثر الأسلحة والفساد في كل مكان.

لكن في ظل غياب حل تفاوضي لإعادة توحيد المؤسسات الحاكمة في البلاد، يبدو أن محاولة صياغة إجماع على انتخابات جديدة لبرلمان واحد هي أفضل مخرج وإن كان محفوفاً بالمخاطر للخروج من الوضع الراهن الذي لا يمكن استمراره والمتمثل في وجود مؤسستين تشريعيتين وحكومتين متنافستين.

تسوية نزاع مالي

يتعين على أوروبا أيضاً أن تستمر في دعم جهود الأمم المتحدة لتسوية الخلاف حول المؤسسات المالية للبلاد ومواصلة دعم الحوار الاقتصادي، إلى جانب الحوار السياسي والعسكري، باعتباره أحد أركان عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

على مر السنين، تجلى الخلاف المالي بطرق مختلفة، بدءاً من تقسيم المصرف المركزي الليبي إلى فرعين متنافسين، إلى أزمة مصرفية وطنية وإغلاقات لقطاع النفط.

وتمثل التجلي الأخير في ترتيب مثير للجدل اقترحته المؤسسة الوطنية للنفط ومقرها طرابلس ووافق عليه معسكر حفتر لتجميد عائدات تصدير النفط مؤقتاً، والتي تشكل تقريباً إجمالي دخل الحكومة، حتى يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة وتوحيد المصرف المركزي.

وضع هذا الترتيب، الذي يحظى بدعم الولايات المتحدة والأمم المتحدة، في أيلول/سبتمبر كجزء من صفقة تهدف إلى إنهاء حصار حفتر لقطاع النفط الذي دام تسعة أشهر. وفقاً للاتفاق، قامت حكومة طرابلس والمؤسسة الوطنية للنفط بتعديل كيفية إدارة عائدات النفط، وأمرا بالاحتفاظ بعائدات التصدير مؤقتاًفي حساب المؤسسة الوطنية للنفط بحيث لا يمكن إنفاقها منه، بدلاً من تحويلها تلقائياً إلى المصرف المركزي، كما كان الحال في السابق.

كان من المفترض أن يستمر هذا الترتيب لمدة 120 يوماً فقط وهي الفترة التي اعتقد المفاوضون أنها ضرورية للتوصل إلى اتفاق بشأن حكومة جديدة يمكن أن تعود إلى إجراءات التحويل المعيارية.

دون وجود مثل هذه الحكومة، ستحتاج البلاد إلى ترتيبات بديلة لتوزيع عائدات النفط. ولا يمكن الاستمرار في تجميد الإيرادات على المدى المتوسط والطويل.

ينبغي على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه إسماع صوتهم الجماعي بشأن هذه المسألة، ودعوة جميع الأطراف الليبية للتوصل إلى اتفاق جديد اتفاق يحقق توازناً بين توفير ضمانات لحفتر وداعميه الأجانب، من جهة، أن عائدات مبيعات النفط لن تستخدم لتمويل تعزيز الجهد العسكري لخصومهم في طرابلس.

ومن ناحية أخرى، أن تلك العائدات ستستخدم الآن لتغطية الإنفاق العام في جميع أنحاء ليبيا.

______________

مقالات مشابهة

1 CommentLeave a comment

  • 35 Extraction of RNA from paraffin embedded tumor specimens and performance of real time polymerase chain reaction PCR is utilized to identify a variety of genes associated with cell proliferation, invasion, estrogen, and HER2 priligy india

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *